18- إن حال أعمال الخيّرين الكافرين الدنيوية وكسبهم فيها - لبنائها على غير أساس من الإيمان - كحال رماد اشتدت لتفريقه الريح في يوم شديد العواصف ، لا يقدرون يوم القيامة على شيء مما كسبوا في الدنيا من تلك الأعمال فلا يمكنهم الانتفاع بشيء منها إذ لا يرون لها أثراً من الثواب ، كما لا يقدر صاحب الرماد المتطاير في الريح على إمساك شيء منه ، وهؤلاء الضالون يحسبون أنهم محسنون ، مع أن أعمالهم بعيدة أشد البعد عن طريق الحق .
{ 18 } { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ }
يخبر تعالى عن أعمال الكفار التي عملوها : إما أن المراد بها الأعمال التي عملوها لله ، بأنها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها كاضمحلال الرماد ، الذي هو أدق الأشياء وأخفها ، إذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب ، فإنه لا يبقى منه شيئا ، ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل ، فكذلك أعمال الكفار { لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ } ولا على مثقال ذرة منه لأنه مبني على الكفر والتكذيب .
{ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } حيث بطل سعيهم واضمحل عملهم ، وإما أن المراد بذلك أعمال الكفار التي عملوها ليكيدوا بها الحق ، فإنهم يسعون ويكدحون في ذلك ومكرهم عائد عليهم ولن يضروا الله ورسله وجنده وما معهم من الحق شيئا .
وفي ظل هذا المصير يجيء التعقيب مثلا مصورا في مشهد يضرب الذين كفروا ، ولفتة إلى قدرة الله على أن يذهب المكذبين ويأتي بخلق جديد . . ذلك قبل أن يتابع مشاهد الرواية في الساحة الأخرى ، وقد أسدل الستار على فصلها الأخير في هذه الأرض ، مخايلا بالساحة الأخرى :
( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . لا يقدرون مما كسبوا على شيء . ذلك هو الضلال البعيد ) . .
ومشهد الرماد تشتد به الريح في يوم عاصف مشهود معهود ، يجسم به السياق معنى ضياع الأعمال سدى ، لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها ، ولا الانتفاع به أصلا . يجسمه في هذا المشهد العاصف المتحرك ، فيبلغ في تحريك المشاعر له ما لا يبلغه التعبير الذهني المجرد عن ضياع الأعمال وذهابها بددا .
هذا المشهد ينطوي على حقيقة ذاتية في أعمال الكفار . فالأعمال التي لا تقوم على قاعدة من الإيمان ، ولا تمسكها العروة الوثقى التي تصل العمل بالباعث ، وتصل الباعث بالله . . مفككة كالهباء والرماد ، لا قوام لها ولا نظام . فليس المعول عليه هو العمل ، ولكن باعث العمل . فالعمل حركة آلية لا يفترق فيها الإنسان عن الآلة إلا بالباعث والقصد والغاية .
وهكذا يلتقي المشهد المصور مع الحقيقة العميقة ، وهو يؤدي المعنى في أسلوب مشوق موح مؤثر . ويلتقي معها التعقيب :
فهو تعقيب يتفق ظله مع ظل الرماد المتطاير في يوم عاصف . . إلى بعيد ! !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.