التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ} (18)

قوله تعالى : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد } في إعراب ( مثل ) عدة وجوه ، أهمها اثنان هما : الأول : أن ( مثل ) مبتدأ أول . و ( أعمالهم ) مبتدأ ثان . ( كرماد ) ، خبر المبتدأ الثاني . والمبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول .

الثاني : أن ( مثل ) مبتدأ . ( أعمالهم ) بدل منه . و ( كرماد ) خبره{[2385]} . هذا مثل لأعمال الكافرين في الدنيا ؛ فإنها يمحقها الله في الآخرة ؛ إذ يأتي عليها الحبوط فلا تجديهم أيما نفع . مثل ضربه الله لأعمال الكافرين الجاحدين الذين يحادون الله ورسله ويستنكفون عن دعوة الله ومنهجه الحكيم . فبين الله في هذا المثل أن أعمال هؤلاء الجاحدين الخاسرين التي كانوا يعملونها في حياتهم كصلة الأرحام وإنفاق المال في الخير والإعمار وغير ذلك من وجوه الإصلاح والبر . كل ذلك مآله الحبوط لصدوره عن كافرين بالله ورسوله وكتابه أو لابتغائهم بذلك غير وجه الله ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) .

قوله : ( أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) ( يوم عاصف ) ، أي ذي ريح شديدة عاصفة قوية . والعصف معناه شدة الريح . عصفت الريح عصفا وعصوفا : اشتد هبوبها فهي عاصف وعاصفة{[2386]} ؛ أي أن أعمال الكافرين باطلة كلها ؛ فهي مثل رماد عصفت ( اشتدت ) الريح عليه في يوم ريح عاصف فنسفته وذهبت به . فكذلك أعمال الكافرين يوم القيامة ، لا تنفعهم عند الله ولا تنجيهم .

قوله : ( لا يقدرون مما كسبوا على شيء ) أي لا يقدرون على الانتفاع بشيء من الثواب يوم القيامة على أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، كعدم قدرتهم على الإمساك بالرماد إذا عصفت به الريح عصفا في يوم شديد الهبوب . قوله : ( ذلك هو الضلال البعيد ) أي الخسران الكبير . أو الإشارة إلى التيه البعيد عن الحق والصواب والجزاء الحسن{[2387]} .


[2385]:- البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 56.
[2386]:- المعجم الوسيط جـ 2 ص 605.
[2387]:- تفسير الطبري جـ 13 ص 132، وتفسير النسفي جـ 2 ص 258.