فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ} (18)

{ مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِم أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ } قال سيبويه : مثل مرتفع على الابتداء ، والخبر مقدّر ، أي : فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا وبه قال الزجاج . وقال الفراء : التقدير { مثل } أعمال الذين كفروا فحذف المضاف . وروي عنه أنه قال بإلغاء مثل . والتقدير الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد . وقيل هو : أعني { مثل } مبتدأ وخبره { أعمالهم كرماد } على أن معناه الصفة ، فكأنه قال صفتهم العجيبة أعمالهم كرماد . والمعنى : أن أعمالهم باطلة غير مقبولة ، والرماد ما يبقى بعد احتراق الشيء ، ضرب الله سبحانه هذه الآية مثلاً لأعمال الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف ، ومعنى اشتدّت به الريح : حملته بشدّة وسرعة ، والعصف شدّة الريح ، وصف به زمانها مبالغة كما يقال : يوم حار ويوم بارد ، والبرد والحر فيهما لا منهما { لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا على شَيء } أي : لا يقدر الكفار مما كسبوا من تلك الأعمال الباطلة على شيء منها ، ولا يرون له أثراً في الآخرة يجازون به ويثابون عليه ، بل جميع ما عملوه في الدنيا باطل ذاهب كذهاب الريح بالرماد عند شدة هبوبها . والإشارة بقوله : { ذلك } إلى ما دلّ عليه التمثيل أي : هذا البطلان لأعمالهم وذهاب أثرها { هُوَ الضلال البعيد } عن طريق الحقّ المخالف لمنهج الصواب ، لما كان هذا خسراناً لا يمكن تداركه سماه بعيداً .

/خ18