فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ} (18)

{ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ( 18 ) }

{ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ } كلام مستأنف منقطع عما قبله ، قال سيبويه : تقديره فيما يتلى عليكم مثل الذين ، والمثل مستعار للقصة التي فيها غرابة . وقال الزجاج والفراء : التقدير مثل أعمال الذين . وروي عنه أنه قال بإلغاء مثل ، وقيل مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول مثلهم فقيل :

{ أَعْمَالُهُمْ } الصالحة كالصدقة وصلة الأرحام وفك الأسير وإقراء الضيف وبر الوالدين ونحو ذلك أو عبادتهم الأصنام في عدم الانتفاع بها أو الأعمال التي أشركوا فيها غير الله تعالى .

{ كَرَمَادٍ } أي باطلة غير مقبولة ، والرماد ما يبقى بعد احتراق الشيء ، وهو ما يسقط من الحطب والفحم بعد احتراقه بالنار وجمعه في الكثرة على رمد ؛ وفي القلة على أرمد .

{ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ } حملة بشدة وسرعة فنسفته وطيرته ولم تبق منه شيئا { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } العصف شدة الريح وصف به زمانها مبالغة كما يقال يوم حار ويوم بارد والبرد والحر فيهما لا منهما والإسناد فيه تجوز ، ووجه الشبه أن الريح العاصفة تطير الرماد وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى له أثر ، فكذلك كفرهم أبطل أعمالهم وأحبطها بحيث لا يبقى لها أثر .

وقد بين محصله بقوله { لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ } من تلك الأعمال الباطلة { عَلَى شَيْءٍ } منها ولا يرون له أثرا في الآخرة يجازون به ويثابون عليه ، جميع ما عملوه في الدنيا باطل ذاهب كذهاب الريح بالرماد عند شدة هبوبها وهو فذلكة التمثيل . وعن ابن عباس : لا يقدرون على شيء من أعمالهم ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل في يوم عاصف .

{ ذَلِكَ } أي ما دل عليه التمثيل من هذا البطلان لأعمالهم وذهاب أثرها { هُوَ الضَّلاَلُ } الهلاك { الْبَعِيدُ } عن طريق الحق المخالف لمنهج الثواب أو عن فعل الثواب ، ولما كان هذا خسرانا لا يمكن تداركه ولا يرجى عوده سماه بعيدا