إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ} (18)

{ مثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ } أي صفتُهم وحالُهم العجيبةُ الشأنِ التي هي كالمثل في الغرابة ، وهو مبتدأٌ خبرُه قوله تعالى : { أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ } كقولك : صفةُ زيدٍ عرضُه مهتوكٌ ومالُه منهوب ، وهو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال من قال : ما بالُ أعمالِهم التي عمِلوها في وجوه البرِّ من صلة الأرحامِ ، وإعتاقِ الرقاب ، وفداءِ الأسارى ، وإغاثةِ الملهوفين ، وقرى الأضياف ، وغير ذلك مما هو من باب المكارم حتى آل أمرُهم إلى هذا المآل ؟ فأجيب بأن ذلك كرماد { اشتدت بِهِ الريح } حملتْه وأسرعتْ الذهاب به { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } العصْفُ اشتدادُ الريحِ وصف به زمانُها مبالغةً ، كقولك : ليلةٌ ساكرةٌ وإنما السكورُ لريحها شُبّهت صنائعُهم المعدودةُ لابتنائها على غير أساسٍ من معرفة الله تعالى والإيمان به والتوجّه بها إليه تعالى برماد طيّرته الريحُ العاصفةُ ، أو استئنافٌ مسوقٌ لبيان أعمالِهم للأصنام ، أو مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ كما هو رأيُ سيبويه أي فيما يتلى عليك مَثلُهم ، وقوله : أعمالُهم بدلٌ من مَثَلُ الذين ، وقوله : كرماد خبرُه { لاَّ يَقْدِرُونَ } أي يوم القيامة { مِمَّا كَسَبُواْ } من تلك الأعمال { على شيء } ما ، أي لا يرَوْن له أثراً من ثواب أو تخفيفِ عذابٍ كدأب الرماد المذكور ، وهو فذلكةُ التمثيل ، والاكتفاءُ ببيان عدمِ رؤيةِ الأثر لأعمالهم للأصنام مع أن لها عقوباتٍ هائلةً للتصريح ببطلان اعتقادِهم وزعمِهم أنها شفعاءُ لهم عند الله تعالى وفيه تهكّمٌ بهم { ذلك } أي ما دل عليه التمثيلُ دَلالةً واضحةً من ضلالهم مع حُسبانهم أنهم على شيء { هُوَ الضلال البعيد } عن طريق الصواب أو عن نيل الثواب .