محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ} (18)

/ [ 18 ] { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد 18 } .

{ مثل الذين كفروا بربهم ، أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ، ذلك هو الضلال البعيد } المثل مستعار للصفة التي فيها غرابة . شبه الله تعالى أعمالهم اللاتي كانوا يعملونها لأوثانهم أو يراؤون بها - كإنفاق الأموال وعقر الإبل للضيفان ، في حبوطها لكونها على غير تقوى وإيمان برماد طيرته الريح العاصف . وقوله تعالى : { لا يقدرون . . . } الخ ، مستأنف فذلكة للتمثيل بمعنى المقصود منه ومحصل وجهه أي : لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء منها ، أي لا يرون له أثرا من ثواب ، كما لا يقدر ، من الرماد المطير في الريح ، على شيء . . .

قال أبو السعود : الاكتفاء ببيان عدم رؤية الأثر لأعمالهم للأصنام ، مع أن لها عقوبات هائلة ، للتصريح ببطلان اعتقادهم وزعمهم أنها شفعاء لهم عند الله تعالى . وفيه تهكم بهم . وفي توصيف الضلال بالبعد ، إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب .

( واشتد به ) من ( شد ) بمعنى عدا والباء للتعدية أو للملابسة . أو من ( الشدة ) بمعنى القوة أي : قويت بملابسة حمله . و ( العصف ) قوة هبوب الريح . وصف به زمانها على الإسناد المجازي ك ( نهاره صائم ) . وخبر ( مثل ) محذوف أي : فيما يتلى عليكم . وجملة { أعمالهم كرماد } مستأنفة جوابا لسؤال : كيف مثلهم ؟ أو { أعمالهم } بدل من { مثل } و { كرماد } الخبر .

وهذه الآية كقوله تعالى{[5139]} : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } وقوله تعالى{[5140]} : { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت / حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته ، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون } وقوله تعالى{[5141]} : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ، فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا ، لا يقدرون على شيء مما كسبوا ، والله لا يهدي القوم الكافرين } .


[5139]:[25 / الفرقان / 23].
[5140]:[3 / آل عمران / 117].
[5141]:[2 / البقرة / 264].