السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ} (18)

ولما ذكر تعالى أنواع عذابهم بين بعده أنّ سائر أعمالهم تصير باطلة ضائعة ، وذلك هو الخسران الشديد بقوله تعالى : { مثل } ، أي : صفة { الذين كفروا بربهم أعمالهم } ، أي : الصالحة كصدقة وصلة رحم وفك أسير ، وإقراء ضيف ، وبر والد في عدم الانتفاع بها { كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف } ، أي : شديد هبوب الريح ، فجعلته هباء منثوراً لا يقدر عليه كما قال تعالى : { لا يقدرون } ، أي : الكفار يوم الجزاء { مما كسبوا } ، أي : عملوا في الدنيا { على شيء } ، أي : لا يجدون لهم ثواباً لفقد شرطه وهو الإيمان . وقرأ نافع ( الرياح ) بالجمع ، والباقون بالإفراد . { ذلك } إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون { هو الضلال البعيد } ، أي : الخسران الكبير لأنّ أعمالهم ضلت وهلكت فلا يرجى عودها .

تنبيه : في ارتفاع قوله تعالى : { مثل } أوجه : أحدها : وهو مذهب سيبويه أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا ، وتكون الجملة من قوله تعالى : { أعمالهم كرماد } مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول : كيف مثلهم ؟ فقيل أعمالهم كرماد .

والثاني : وهو مذهب الفراء التقدير : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد ، فحذف المضاف اعتماداً على ذكره بعد المضاف إليه ، وهو قوله تعالى : { أعمالهم } ومثله قوله تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة } [ الزمر ، 60 ] المعنى : ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودّة .

الثالث : أن يكون التقدير : صفة الذين كفروا أعمالهم كرماد كقوله : صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول .

الرابع : أن تكون أعمالهم بدلاً من قوله : { مثل الذين كفروا } ، والتقدير مثل أعمالهم وقوله تعالى : { كرماد } هو الخبر . وقيل : غير ذلك .