لما فرغ سبحانه من قصة لقمان رجع إلى توبيخ المشركين وتبكيتهم وإقامة الحجج عليهم ، فقال : { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } قال الزجاج : معنى تسخيرها للآدميين : الانتفاع بها انتهى ، فمن مخلوقات السموات المسخرة لبني آدم ، أي التي ينتفعون بها الشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك . ومن جملة ذلك : الملائكة فإنهم حفظة لبني آدم بأمر الله سبحانه ، ومن مخلوقات الأرض المسخرة لبني آدم : الأحجار والتراب والزرع والشجر والثمر والحيوانات التي ينتفعون بها والعشب الذي يرعون فيه دوابهم ، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة ، فالمراد بالتسخير جعل المسخر بحيث ينتفع به المسخر له ، سواء كان منقاداً له ، وداخلاً تحت تصرّفه أم لا { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً } أي أتمّ وأكمل عليكم نعمه ، يقال : سبغت النعمة إذا تمت وكملت . قرأ الجمهور { أسبغ } بالسين ، وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة : " أصبغ " بالصاد مكان السين . والنعم جمع نعمة على قراءة نافع وأبي عمرو وحفص ، وقرأ الباقون : " نعمة " بسكون العين على الإفراد والتنوين اسم جنس يراد به الجمع ويدلّ به على الكثرة ، كقوله : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] وهي قراءة ابن عباس . والمراد بالنعم الظاهرة : ما يدرك بالعقل أو الحسّ ويعرفه من يتعرفه ، وبالباطنة : ما لا يدرك للناس ، ويخفى عليهم . وقيل : الظاهرة : الصحة وكمال الخلق ، والباطنة : المعرفة ، والعقل . وقيل : الظاهرة ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال ، وفعل الطاعات ، والباطنة : ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين وما يدفعه الله عن البعد من الآفات . وقيل : الظاهرة نعم الدنيا ، والباطنة : نعم الآخرة . وقيل : الظاهرة : الإسلام والجمال ، والباطنة : ما ستره الله على العبد من الأعمال السيئة { وَمِنَ الناس مَن يجادل فِي الله } أي في شأن الله سبحانه في توحيده وصفاته ؛ مكابرة وعناداً بعد ظهور الحق له وقيام الحجة عليه ، ولهذا قال : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } من عقل ولا نقل { وَلاَ هُدًى } يهتدي به إلى طريق الصواب { وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ } أنزله الله سبحانه ، بل مجرّد تعنت ، ومحض عناد . وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.