ولما استدل سبحانه بقوله تعالى : { خلق السماوات بغير عمد } على الوحدانية وبين بحكمة لقمان أنّ معرفة ذلك غير مختصة بالنبوّة استدل ثانياً على الوحدانية بالنعم بقوله تعالى : { ألم تروا } أي : تعلموا علماً هو في ظهوره كالمشاهدة { أن الله } أي : الحائز لكل كمال { سخر لكم } أي : لأجلكم { ما في السماوات } من الإنارة والإظلام والشمس والقمر والنجوم والسحاب والمطر والبرد وغير ذلك من الإنعامات مما لا يحصى ، كما قال { والشمس والقمر والنجوم مسخّرات بأمره } ( الأعراف ، 54 ) { و } سخر لكم { ما في الأرض } من البحار والثمار والآبار والأنهار والدواب والمعادن وغير ذلك مما لا يحصى { وأسبغ } أي : أوسع وأتم { عليكم } وقوله تعالى { نعمه } قرأه نافع وأبو عمرو وحفص بفتح العين وبعد الميم هاء مضمومة ، والباقون بسكون العين وبعد الميم تاء مفتوحة منونة ، ومعناها الجمع أيضاً كقوله تعالى { وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها } ( إبراهيم : 34 ) .
واختلف في قوله عز وجل { ظاهرة وباطنة } على أقوال : فقال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة : القرآن والإسلام ، والباطنة : ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة ، وقال الضحاك : الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء والباطنة المعرفة ، وقال مقاتل : الظاهرة تسوية الخلق والرزق والإسلام ، والباطنة ما ستر من الذنوب ، وقال الربيع : الظاهرة الجوارح والباطنة القلب ، وقال عطاء الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة ، وقال مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الإمداد بالملائكة ، وقال سهل بن عبد الله : الظاهرة اتباع الرسول والباطنة محبته ، وقيل الظاهرة تمام الرزق والباطنة تمام الخلق ، وقيل الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار ، وقيل الظاهرة الإقرار باللسان والباطنة الاعتقاد بالقلب ، وقيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة ، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك ، ويروى في دعاء موسى عليه السلام : إلهي دلني على إخفاء نعمتك على عبادك ، فقال : أخفى نعمتي عليهم النفس ، ويروى أن أيسر ما يعذب به أهل النار الأخذ بالأنفاس .
ونزل في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في الله تعالى وفي صفاته : { ومن الناس } أي : أهل مكة { من يجادل } أي : يحاجج فلا لهو أعظم من جداله ولا كبر مثل كبره ولا ضلال مثل ضلاله وأظهر زيادة التشنيع على هذا المجادل بقوله تعالى : { في الله } أي : المحيط علماً وقدرة ثم بين تعالى مجادلته أنها { بغير علم } أي : مستفاد من دليل بل بألفاظ في ركاكة معانيها لعدم إسنادها إلى حس ولا عقل ملحقة بأصوات الحيوانات العجم فكان بذلك حماراً تابعاً للهوى { ولا هدى } أي : من رسول عُهِد منه سداد الأقوال والأفعال بما أبدى من المعجزات والآيات البينات فوجب أخذ أقواله مسلمة وإن لم يظهر معناها { ولا كتاب } أي : من الله تعالى ، ثم وصفه بما هو لازم له بقوله تعالى : { منير } أي : بين غاية البيان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.