الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ } .

قرأ نافع وشيبه وأبو جعفر وأبو رجاء العطاردي وأبو محلز وأبو عمرو والأعرج وأيّوب وحفص { نِعَمَهُ } بالجمع والإضافة ، واختاره أبو عبيد وأبو معاذ النحوي وأبو حاتم ، وقرأ الآخرون منُوّنة على الواحد ومعناها جمع أيضاً ، ودليله قول الله عزّ وجلّ :

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ]وقال مجاهد وسفيان : هي لاَ إِلهَ إِلاّ الله ، وتصديقه أيضاً ما أخبرني أبو القاسم ( الحبيبي ) أنّه رأى في مصحف عبدالله { نِعْمَتَهُ } بالأضافة والتوحيد { ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } اختلفوا فيها فأكثروا . فقال ابن عبّاس : أمّا الظاهرة فالدين والرياش ، وأمّا الباطنة فما غاب عن العباد وَعَلِمَهُ الله .

مقاتل : الظاهرة تسوية الخَلق والرّزق والإسلام ، والباطنة ما ستر من ذنوب بني آدم فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب عليها . الضحّاك : الظاهرة حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء ، والباطنة المغفرة . القرظي : الظاهرة محمّد صلى الله عليه وسلم والباطنة المعرفة . ربيع : الظاهرة بالجوارح والباطنة بالقلب . عطاء الخراساني : الظاهرة تخفيف الشرائع ، والباطنة الشفاعة . مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء ، والباطنة الإمداد بالملائكة .

أخبرنا الحسين بن محمد بن إبراهيم النيستاني ، قال : أخبرنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم ابن محمش ، قال : أخبرني أبو يحيى زكريا بن يحيى بن الحرب ، عن محمد بن يوسف بن محمد ابن سابق الكوفي قال : أخبرني أبو مالك الجبنى ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : سألت ابن عبّاس عن قول الله عزّ وجلّ : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } فقال : هذا من محرزي الذي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : " يا رسول الله ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة ؟ قال : أمّا الظاهرة فالإسلام وما حسن من خلقك وما أفضل عليك من الرزق ، وأمّا الباطنة ما ستر من سوء عملك ، يابن عبّاس يقول الله تعالى : إنّي جعلت للمؤمن ثلثا صلاة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله أُكفّر به عن خطاياه ، وجعلت له ثلث ماله ليكفّر به عنه من خطاياه وسترت عليه سوء عمله الذي لو قد أبديته للناس لنبذه أهله فما سواهم " .

وقال محمّد بن علي الترمذي : النعمة الظاهرة :

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [ المائدة : 3 ] والباطنة قوله :

{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلمَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] .

( الحرث بن أسد المحاسبي ) : الظاهرة نعيم الدنيا ، والباطنة نعيم العقبى . عمرو بن عثمان الصدفي : الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة تضعيف الصنائع .

وقيل : الظاهرة الجزاء ، والباطنة الرضا . سهل بن عبدالله : الظاهرة إتباع الرسول ، والباطنة محبّته . وقيل : الظاهرة تسوية الظواهر والباطنة تصفية السرائر . وقيل : الظاهرة التبيين ، بيانه قوله تعالى :

{ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ]

{ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ } [ البقرة : 221 ] والباطنة التزين قوله :

{ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 7 ]وقيل : الظاهرة الرزق المكتسب ، والباطنة الرزق من حيث لا يُحتسب .

وقيل : الظاهرة المدخل للغذاء ، والباطنة المخرج للأذى . وقيل : الظاهرة الجوارح ، والباطنة المصالح . وقيل : الظاهرة الخَلق ، والباطنة الخُلق . وقيل الظاهرة التنعيم ، بيانه قوله :

{ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [ الحمد : 7 ] والباطنة التعليم . قوله :

{ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 151 ] وقيل : الظاهرة ما أعطى وحبا من النعماء ، وقيل الباطنة : ما طوي وزوي من أنواع البلاء ، وقيل : الظاهرة الدعوة ، بيانه قوله :

{ وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلاَمِ } [ يونس : 25 ]والباطنة الهداية . بيانه قوله :

{ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ يونس : 25 ] .

وقيل : الظاهرة الإمداد بالملائكة ، والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفّار ، وقيل : الظاهرة تفصيل الطاعات ، وهو أنّه ذكَر طاعتك واحدة فواحدة وأثنى عليك بها وأثابك عليها ، بيانه قوله :

{ التَّائِبُونَ } [ التوبة : 112 ] وقوله :

{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] وقوله :

{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] إلى آخر الآية . والباطنة إجمال المعاصي وذلك أنّه دعاك منها إلى التوبة باسم الإيمان من غير عدّها وتفصيلها ، بيانه قوله :

{ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ } [ النور : 31 ]وقيل : الظاهرة إنزال الأقطار والأمطار ، والباطنة إحياء الأقطار والأمصار .

وقيل : الظاهرة التوفيق للعبادات ، والباطنة الإخلاص والعصمة من المراءات ، وقيل : الظاهرة ذكر اللسان ، والباطنة ذكر الجنان ، وقيل : الظاهرة تلاوة القرآن والباطنة معرفته . وقيل : الظاهرة ضياء النهار للتصرّف والمعاش ، والباطنة ظلمة الليل للسكون والقرار . وقيل : الظاهرة النطق ، والباطنة العقل ، وقيل : الظاهرة نِعَمَهُ عليك بعدما خرجت من بطن أُمّك ، والباطنة : نِعَمَهُ عليك وأنت في بطن أُمّك .

وقيل : الظاهرة الشهادة الناطقة ، والباطنة السعادة السابقة . وقيل : الظاهرة ألوان العطايا ، والباطنة غفران الخطايا . وقيل : الظاهرة وضع الوزر ورفع الذّكر ، والباطنة شرح الصدر .

وقيل : الظاهرة فتح المسالك والباطنة نزع الممالك ممّن خالفك ، وقيل : الظاهرة المال والأولاد ، والباطنة الهدى والارشاد ، وقيل : الظاهرة القول السديد والباطنة التأييد والتسديد ، وقيل : الظاهرة ما يكفِّر الله به الخطايا من الرزايا والبلايا ، والباطنة ما يعفو عنه ولا يؤاخذ به في الدنيا والعقبى ، وقيل : الظاهرة ما بينك وبين خلقه من الأنساب والأصهار ، والباطنة ما بينك وبينه من القرب والأسرار والمناجاة في الأسحار ، وقيل : الظاهرة العلوّ بيانه قوله :

{ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } [ آل عمران : 139 ] والباطنة الدنوّ بيانه قوله :

{ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [ الواقعة : 11 ] .

قوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } نزلت في النضر بن الحرث حين زعم أنّ الملائكة بنات الله { وَلاَ هُدَىً وَلاَ كِتَابٍ مُنير }