{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ } أي : فيفضِّلون من شاءوا على من شاءوا بمجرد أهوائهم ، فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة ، فلو كانوا كذلك لشحوا وبخلوا أشد البخل ، ولهذا قال : { فَإِذًا } أي : لو كان لهم نصيب من الملك { لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا } أي : شيئًا ولا قليلا . وهذا وصف لهم بشدة البخل على تقدير وجود ملكهم المشارك لملك الله . وأخرج هذا مخرج الاستفهام المتقرر إنكاره عند كل أحد .
{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاّ يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ } أم لهم حظّ من الملك ، يقول : ليس لهم حظّ من الملك . كما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ } يقول : لو كان لهم نصيب من الملك إذا لم يؤتوا محمدا نقيرا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج : قال الله : { أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ } قال : فليس لهم نصيب من الملك ، { فإذًا لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيرا } ولو كان لهم نصيب وحظّ من الملك ، لم يكونوا إذًا يعطون الناس نقيرا من بخلهم .
واختلف أهل التأويل في معنى النقير ، فقال بعضهم : هو النقطة التي في ظهر النواة . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { نَقِيرا } يقول : النقطة التي في ظهر النواة .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : النقير الذي في ظهر النواة .
حدثني جعفر بن محمد الكوفي المروزي ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : النقير : وسط النواة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { فإذًا لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيرا } النقير : نقير النواة : وسطها .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : { أمْ لَهُمْ نَصيبٌ مِنَ المُلْك فإذًا لا يُؤتُونَ النّاس نَقِيرا } يقول : لو كان لهم نصيب من الملك إذًا لم يؤتوا محمدا نقيرا ، والنقير : النقطة التي في وسط النواة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني طلحة بن عمرو أنه سمع عطاء بن أبي رباح ، يقول : النقير : الذي في ظهر النواة .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، قال : النقير : النقرة التي تكون في ظهر النواة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، قال : النقير : الذي في ظهر النواة .
وقال آخرون : النقير : الحبة التي تكون في وسط النواة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { نَقِيرا } قال : النقير : حبة النواة التي في وسطها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فإذًا لا يُؤْتونَ النّاسَ نَقِيرا } قال : النقير : حبة النواة التي في وسطها .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن منصور ، عن مجاهد قال : النقير في النوي .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : النقير : نقير النواة الذي في وسطها .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : النقير : نقر النواة الذي يكون في وسط النواة .
وقال آخرون : معنى ذلك : نقر الرجل الشيء بطرف أصابعه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن درهم أبي العلاء ، قال : سمعت أبا العالية ، ووضع ابن عباس طرف الإبهام على ظهر السبابة ثم رفعهما وقال : هذا النقير .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله وصف هؤلاء الفرقة من أهل الكتاب بالبخل باليسير من الشيء الذي لا خطر له ، ولو كانوا ملوكا وأهل قدرة على الأشياء الجليلة الأقدار . فإذ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بمعنى النقير أن يكون أصغر ما يكون من النقر ، وإذا كان ذلك أولى به ، فالنقرة التي في ظهر النواة من صغار النقر ، وقد يدخل في ذلك كل ما شاكلها من النقر . ورفع قوله : { لا يُؤْتُونَ النّاسَ } ولم ينصب ب«إذا » ، ومن حكمها أن تنصب الأفعال المستقبلة إذا ابتدىء الكلام بها¹ لأن معها فاء ، ومن حكمها إذا دخل فيها بعض حروف العطف أن توجه إلى الابتداء بها مرّة وإلى النقل عنها إلى غيرها أخرى ، وهذا الموضع مما أريد بالفاء فيه النقل عن إذًا إلى ما بعدها ، وأن يكون معنى الكلام : أم لهم نصيب فلا يؤتون الناس نقيرا إذًا .
عرف { أم } أن تعطف بعد استفهام متقدم ، كقولك : أقام زيد أم عمرو ، فإذا وردت ولم يتقدمها استفهام ، فمذهب سيبويه : أنها مضمنة معنى الإضراب عن الكلام الأول والقطع منه ، وهي مضمنة مع ذلك معنى الاستفهام ، فهي بمعنى «بل » مع ألف الاستفهام ، كقول العرب : إنها لإبل أم شاء? فالتقدير عند سيبويه ، أنها لإبل بل أهي شاء . وكذلك هذا الموضع ، تقديره : بل ألهم نصيب من الملك ؟ وقد حكي عن بعض النحويين ، أن { أم } يستفهم بها ابتداء دون تقدم استفهام ، حكاه ابن قتيبة في المشكل ، وهذا غير مشهور للعرب ، وقال بعض المفسرين : { أم } بمعنى بل ، ولم يذكروا الألف اللازمة ، فأوجبوا على هذا حصول الملك للمذكورين في الآية ، والتزموا ذلك وفسروا عليه ، فالمعنى عندهم : بل هم ملوك أهل دنيا وعتو وتنعم ، لا يبغون غيره ، فهم بخلاء به ، حريصون على أن لا يكون ظهور لسواهم .
قال القاضي أبو محمد : والمعنى على الأرجح الذي هو مذهب سيبويه والحذاق ، أنه استفهام على معنى الإنكار ، أي ألهم ملك ؟ فإذاً لوكان لبخلوا ، وقرأ ابن مسعود «فإذا لا يؤتوا » بغير نون على إعمال «إذاً » والمصحف على إلغائها ، والوجهان جائزان ، وإن كانت صدراً من أجل دخول الفاء عليها ، والنقير ، أعرف ما فيه أنها النكتة التي في ظهر النواة من التمرة ، ومن هنالك تنبت ، وهو قول الجمهور ، وقالت فرقة : هي النقطة التي في بطن النواة ، وروي عن ابن عباس أنه قال : هو نقر الإنسان بأصبعه ، وهذا كله يجمعه أنه كناية عن الغاية في الحقارة والقلة على مجاز العرب واستعارتها ، و { إذاً } في هذه الآية ملغاة لدخول فاء العطف عليها ، ويجوز إعمالها ، والإلغاء أفصح ، وذلك أنها إذا تقدمت أعملت قولاً واحداً ، ، فإذا دخل عليها وهي متقدمة فاء أو واو جاز إعمالها والإلغاء أفصح وهي لغة القرآن وتكتب «إذاً » بالنون وبالألف ، فالنون هو الأصل ، كعن ومن ، وجاز كتبها بالألف لصحة الوقوف عليها فأشبهت نون التنوين ، ولا يصح الوقوف على «عن ومن » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.