المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

40- إن الله لا يظلم أحداً شيئاً فلا ينقص من أجر عمله ولا يزيد في عذابه شيئاً ، ويضاعف للمحسن ثواب حسناته مهما قَلَّت ، ويعطي من فضله عطاءً كبيراً غير مقابل بالحسنات التي يضاعفها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }

يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله وتنزهه عما يضاد ذلك من الظلم القليل والكثير فقال : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي : ينقصها من حسنات عبده أو يزيدها في سيئاته ، كما قال تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }

{ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } أي : إلى عشرة أمثالها ، إلى أكثر من ذلك ، بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها ، إخلاصا ومحبة وكمالا .

{ وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } أي : زيادة على ثواب العمل بنفسه من التوفيق لأعمال أخر ، وإعطاء البر الكثير والخير الغزير .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

ثم بين - سبحانه - أنه منزه عن الظلم بعد أن أقام الحجة على الظالمين ، ودعاهم إلى سلوك طريق الخير ، فقال { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } .

والمثقال : مفعال من الثقل . ويطلق على الشئ القليل الذى يحتمل الوزن .

والذرة : تطلق على النملة ، وعلى الغبار الذى يتطاير من التراب عند النفخ .

وهذا أحقر ما يقدر به الشئ ، فعلم انتفاء ما هو أكثر منه بالأولى .

والمراد : أن الله - تعالى - لا ينقص أحدا من ثواب عمله شيئا مهما ضؤل هذا الشئ وحقر ، فخرج الكلام على أصغر شئ يعرفه الناس . كما قال - تعالى - { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } وكما فى قوله - تعالى - { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ }

ومفعول يظلم محذوف والتقدير : لا يظلم أحدا مثقال ذرة .

وقوله { مِثْقَالَ } منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أى لا يظلم أحد ظلما وزن ذرة . كما تقول : لا أظلم قليلا ولا كثيرا .

وقوله { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } بيان لسعة جوده - سبحانه - وعظيم رحمته وعفوه .

وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر { حَسَنَةً } - بالضم - على أن { تَكُ } مضارع كان التامة أى وإن توجد أو تحصل حسنة يضاعفها .

وقرأ الباقون { حَسَنَةً } - بالنصب - على أنها خبر لقوله { تَكُ } المشتقة من كان النقاصة . وأصل { تَكُ } تكن فحذفت النون من آخر الفعل من غير قياس تشبيها لها بحروف العلة ، وتخفيفا لكثرة الاستعمال .

والضمير المستتر فى الفعل " تلك " يعود إلى المثقال . وجئ به مؤنثا مراعاة للفظ ذرة الذى أضيف إليه لفظ مثقال ؛ لأن لفظ مثقال مبهم لا يميزه إلا لفظ ذرة فكان كالمستغنى عنه .

وقيل : إنما جئ به مؤنثا حملا على المعنى ، لأنه بمعنى : وإن تك زنة ذرة حسنة يضاعفها .

وقيل : إنما جئ به كذلك لأن المضاف قد يكتسب التأنيث من المضاف إليه إذا كان جزأه كما فى نحو قولهم : كما شرقت صدر القناة من الدم . .

والمعنى : إن الله - تعالى - بفضله وجوده لا يظلم الناس شيئا ، ولا ينقصهم أى نقص من ثواب أعمالهم بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } أى وإن تك الفعلة الحسنة بالغة فى القلة مثقال ذرة يضاعف ثوابها بكرمه وجوده أضعافا كثيرة . وفوق ذلك فإنه - سبحانه - يعطى من يشاء إعطاءه عطاء عظيما من عنده ولا يعلم مقدار هذا العطاء إلا هو - سبحانه .

وفى إضافة هذا العطاء العظيم إلى ذاته - تعالى - فى قوله { مِن لَّدُنْهُ } تشريف له ، وتهويل من شأنه .

وسماه أجرا لكونه جزاء على العمل الصالح الذى عمله عباده المؤمنون الصادقون . هذا ، وقد أورد الإِمام ابن كثير جملة من الأحاديث فى معنى هذه الآية ومن ذلك ما رواه الشيخان عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث الشفاعة الطويل وفيه : فيقول الله - تعالى - لملائكته ! ارجعوا . فمن وجدتم فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار ، فيخرجون خلقا كثيرا . ثم يقول أبو سعيد : اقرؤا إن شئتم قوله - تعالى - { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } .

وروى أبو دواد الطيالسى فى مسنده عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة . يثاب عليها الرزق فى الدنيا . ويجزى بها فى الآخرة . وأما الكافر فيطعم بها فى الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

يخبر تعالى أنه لا يظلم عبدا من عباده يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة ، بل يوفيها به ويضاعفها له إن كانت حسنة ، كما قال تعالى { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ [ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ]{[7500]} } [ الأنبياء : 47 ] وقال تعالى مخبرًا عن لقمان أنه قال : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ]{[7501]} } [ لقمان : 16 ] وقال تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }

وفي الصحيحين ، من حديث زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يَسَار ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويلِ ، وفيه : فيقول الله عز وجل : " ارْجِعُوا ، فَمَن وجدتم في قلبه مثقالَ حبة{[7502]} خردل من إيمان ، فأخرجوه من النار " . وفي لفظ : " أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار ، فيخرجون خلقًا كثيرًا " ثم يقول أبو سعيد : اقرؤوا إن شئتم : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ[ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ]{[7503]} }{[7504]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا عيسى بن يُونُس ، عن هارونَ بن عنترة{[7505]} عن عبد الله بن السائب ، عن زَاذَانَ قال : قال عبدُ الله بن مَسْعُود : يُؤْتَى بالعبد والأمَة يومَ القيامةِ ، فينادي منادٍ على رءوس الأولين والآخِرين : هذا فلانُ بنُ فلانٍ ، من كان له حق فليأت إلى حقه .

فتفرحُ المرأةُ أن يكون لها الحق على أبيها أو أخيها أو زوجها . ثم قرأ : { فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] فيغفر الله من حقه ما يشاء ، ولا يغفر من حقوق الناس شيئا ، فينصَب للناس فينادَي : هذا فلانُ بن فلانٍ ، من كان له حق فليأتِ إلى حقه . فيقول : رَبّ ، فَنِيَت الدنيا ، من أين أُوتِيِهْم حقوقَهم ؟ قال : خذوا من أعماله الصالحة ، فأعطوا كلَ ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليًّا لله ففَضَلَ له مثقالُ ذرة ، ضاعفها الله له حتى يدخلَه بها الجنة ، ثم قرأ علينا : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } قال : ادخل الجنة ؛ وإن كان عبدًا شقيا قال الملك : ربِّ فنيت حسناته ، وبقي طالبون كثير ؟ فيقول : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صُكُّوا له صَكًّا إلى النار .

ورواه ابن جَرِيرٍ من وجه آخر ، عن زاذان - به نحوه . ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثتا أبو نُعَيْمٍ ، حدثنا فُضَيلٌ - يعني ابن مرزوق - عن عطيَّة العَوْفي ، حدثني عبد الله بن عُمَرَ قال : نزلت هذه الآية في الأعراب : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] قال رجل : فما للمهاجرين يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : ما هو أفضلُ من ذلك : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } .

وحدثنا أبو زُرْعَةَ ، حدثنا يَحْيَى بن عبد الله بن بُكَيْرٍ ، حدثني عبد الله بن لَهِيعَةَ ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جُبَيْرٍ في قوله { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة ، ولا يخرج من النار أبدا . وقد استدل له بالحديث الصحيح أن العباس قال : يا رسول الله ، إن أبا طالب{[7506]} كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيء ؟ قال : " نعم هو في ضَحْضَاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل من النار " {[7507]} .

وقد يكون هذا خاصا بأبي طالب من دون الكفار ، بدليل ما رواه أبو داود الطَّيالسِي في سننه{[7508]} حدثنا عِمْرَانُ ، حدثنا قتادة ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويُجْزَى بها{[7509]} في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة " {[7510]} .

وقال أبو هريرة ، وعِكْرِمَةُ ، وسعيدُ بن جُبَيْرٍ ، والحسنُ وقتادةُ والضحاكُ ، في قوله : { وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } يعني : الجنة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا سُلَيْمانُ - يعني ابن الْمُغَيْرَةِ - عن علي بن زَيْدٍ ، عن أبي عثمان قال : بلغني عن أبي هريرة أنه قال : بلغني أن الله تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة . قال : فقُضي أني انطلقت حاجا أو معتمرا ، فلقيته فقلت : بلغني عنك حديث أنك تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة " قال أبو هريرة : لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله عز وجل يعطيه ألفي ألف حسنة " ثم تلا { يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } فمن يقدره قدره{[7511]} {[7512]} .

رواه الإمام أحمد فقال : حدثنا يَزِيدُ ، حدثنا مباركُ بن فَضَالَة ، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال : أتيت أبا هريرة فقلت له : بلغنى{[7513]} أنك تقول : إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة ؟ قال : وما أعجبك من ذلك ؟ فوالله لقد سمعت - يعنى النبي صلى الله عليه وسلم - كذا قال أبي - يقول : " إن الله ليضاعف الحسنة ألفى ألف حسنة " {[7514]} .

علي بن زيد في أحاديثه نكارة ، فالله أعلم .


[7500]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[7501]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية"
[7502]:في ر، أ: "ذرة".
[7503]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[7504]:صحيح البخاري برقم (7439) وصحيح مسلم برقم (183).
[7505]:في أ: "عنبرة".
[7506]:في أ: "إن عمك أبا طالب".
[7507]:رواه البخاري في صحيحه برقم (3883، 6208) ومسلم في صحيحه برقم (209).
[7508]:في د، ر، أ: "مسنده".
[7509]:في ر: "فيها".
[7510]:مسند الطيالسي برقم (47) "منحة المعبود" ورواه مسلم برقم (2808) من طريق يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن قتادة بنحوه.
[7511]:في د، ر، أ: "يقدر قدره".
[7512]:المسند (5/521).
[7513]:في ر: "إنه بلغني.
[7514]:المسند (2/296).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

استئناف بعد أن وصف حالهم ، وأقام الحجّة عليهم ، وأراهم تفريطهم مع سهولة أخذهم بالحيطة لأنفسهم لو شاءوا ، بيّن أنّ الله منزّه عن الظلم القليل ، بله الظلم الشديد ، فالكلام تعريض بوعيد محذوف هو من جنس العقاب ، وأنّه في حقّهم عدل ، لأنّهم استحقّوه بكفرهم ، وقد دلّت على ذلك المقدّر أيضاً مقابلته بقوله : { وإن تك حسنة } ولمّا كان المنفي الظلم ، على أنّ ( مثقال ذرّة ) تقدير لأقلّ ظلم ، فدلّ على أنّ المراد أنّ الله لا يؤاخذ المسيء بأكثر من جزاء سيّئته .

وانتصب { مثقال ذرة } بالنيابة عن المفعول المطلق ، أي لا يظلم ظُلما مقدّراً بمثقال ذرّة ، والمثقال ما يظهر به الثِّقَل ، فلذلك صيغَ على وزن اسم الآلة ، والمراد به المقدار .

والذَّرة تطلق على بيضة النمْلة ، وعلى ما يتطاير من التراب عند النفخ ، وهذا أحقر ما يقدُر به ، فعلم انتفاء ما هو أكثر منه بالأولى . وقرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر { حسنة } بالرفع على أنّ ( تك ) مضارع كان التامّة ، أي إن تُوجَدْ حسنةٌ . وقرأه الجمهور بنصب { حسنة } على الخبرية ل { تَكُ } على اعتبار كان ناقصة ، واسم كان المُسْتتر عائد إلى مثقال ذرّة ، وجيء بفعل الكون بصيغة فِعل المؤنث مراعاةً لفظ ذرّة الذي أضيف إليه مثقالُ ، لأنّ لفظ مثقال مبهم لا يميّزه إلاّ لفظ ذرّة فكان كالمستغنى عنه .

والمضاعفة إضافة الضّعف بكسر الصاد أي المِثْل ، يقال : ضاعف وضَعَّف وأضْعَفَ ، وهي بمعنى واحد على التحقيق عند أيمّة اللغة ، مثل أبي علي الفارسي . وقال أبو عُبيدة ضاعف يقتضي أكثر من ضِعْفٍ واحد وضعّف يقتضي ضعفين . وردّ بقوله تعالى : { يضاعف لها العذاب ضعفين } [ الأحزاب : 30 ] . وأمّا دلالة إحدى الصيغ الثلاث على مقدار التضعيف فيؤخذ من القرائن لحكمة الصيغة . وقرأ الجمهور : { يضاعفها } ، وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر : { يُضَعِّفها } بدون ألف بعد العين وبتشديد العين .

والأجر العظيم ما يزاد على الضعف ، ولذلك أضافه الله تعالى إلى ضمير الجلالة ، فقال : { من لدنه } إضافة تشريف . وسمّاه أجرا لكونه جزاء على العمل الصالح ، وقد روي أنّ هذا نزل في ثواب الهجرة .