الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

قوله : ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) الآية [ 40 ] .

قوله : ( يُضَاعِفْهَا يدل على أضعاف كثيرة إذ لو أراد مرة لقال : يضاعفها( {[12444]} ) ، ومعنى الآية : إن الله تعالى لا يبخس واحداً فعل خيراً مثقال ذرة أي : قدر وزن الذرة فما فوق ذلك ، والذرة في قول ابن عباس : رأس( {[12445]} ) النملة الحمراء( {[12446]} ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيعظم بها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم تكن له حسنة( {[12447]} ) " وقال صلى الله عليه وسلم : " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " ( {[12448]} ) ، وقال الخدري : حين حدث بهذا الحديث عن النبي عليه السلام فإن شككتم ( فَاقْرَءُوا )( {[12449]} ) ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )( {[12450]} ) .

وأتى رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال له : بلغني أنك تقول الحسنة تضاعف ألف ألف ضعف ، وقال أبو هريرة : لم أقل ذلك ، ولكني قلت تضاعف( {[12451]} ) الحسنة ألفي ألف ضعف( {[12452]} ) .

والذرة هنا عند أهل العلم النملة الصغيرة وقال يزيد بن هارون( {[12453]} ) : زعموا أنه لا وزن لها( {[12454]} ) .

وقال ابن مسعود : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد من عند الله تعالى : ألا من كان يطلب مظلمة فليجيء إلى حقه فيأخذه " قال فيفرح والله المرء أن له الحق على والده وولده أو زوجته وأخته فيأخذه منه ، وإن كان صغيراً ، ومصداق ذلك في كتاب الله ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ )( {[12455]} ) .

فيقال له : إيت هؤلاء حقوقاً ؟ ( {[12456]} ) فيقول : يا رب من أين يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول الله عز وجل لملائكته : انظروا [ في ]( {[12457]} ) أعماله الصالحة( {[12458]} ) فأعطوهم منها ، فإن بقي مثقال ذرة من حسنة ، قالت الملائكة : يا ربنا –وهو أعلم بذلك منها- أعطينا كل ذي حق حقه ، وبقي له مثقال ذرة من حسنة ، فيقول الله عز وجل لملائكته : ضعفوها لعبدي وأدخلوه برحمتي الجنة " ومصداق ذلك في كتابه ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُوتِ مِن لَّدُنْهُ ) أي : من عنده ( أَجْراً عَظِيماً ) أي : الجنة يعطيها تفضلاً منه لا إله إلا هو ، وإن فنيت الحسنات ، وبقيت السيئات وبقي طالبون قال الله تعالى : ضعوا( {[12459]} ) عليهم من أوزارهم واكتبوا له كتاباً إلى النار( {[12460]} ) .

قوله : ( وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا ) هذا لأهل الإيمان كلهم ، وروي عن ابن عمر : أنها في المهاجرين خاصة ، قال : نزلت الآية في الأعراب ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )( {[12461]} ) قال : فقال رجل : ما للمهاجرين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هو أعظم من ذلك وقرأ :

( وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُوتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) الآية [ 40 ] .

واختار الطبري أن تكون المضاعفة أكثر من عشرة للمهاجرين خاصة ، وقال : هو في معنى حديث أبي هريرة ، تضاعف بألفي ضعف أي للمهاجرين ، واحتج بأن الله عز وجل قد اخبرنا أن الله يجزي بالحسنة عشر أمثالها ، فلا يجوز أن يكون في خبره اختلاف ، ولكن ذلك للمهاجرين وهذا لغيرهم .


[12444]:- كذا... والصواب يضعفها يشهد لذلك ما في مجاز القرآن 1/127، وجامع البيان 5/90، والمحرر 4/159.
[12445]:- (ج) (د): وأنس.
[12446]:- انظر: جامع البيان 5/88، والدر المنثور 2/539.
[12447]:- خرجه مسلم في كتاب صفة القيامة 8/125 أو تفسير ابن كثير 1/499.
[12448]:- خرجه البخاري في كتاب الرقاق 7/202، ومسلم في كتاب الإيمان 1/125، وابن ماجه في كتاب الشفاعة 2/442.
[12449]:- ساقط من (ج).
[12450]:- انظر: جامع البيان 5/89.
[12451]:- (ج): يضاعف.
[12452]:- انظر: جامع البيان 5/91، وتفسير ابن كثير 1/499، والدر المنثور 2/541.
[12453]:- هو أبو خالد يزيد بن هارون توفي 206 من حفاظ الحديث الثقات، أخرج له الستة. انظر: تاريخ الثقات 4/81، تاريخ بغداد 14/337، والتهذيب 11/336.
[12454]:- انظر: جامع البيان 5/89.
[12455]:- المؤمنون آية 102.
[12456]:- كذا.. وصوابه: حقوقهم.
[12457]:- ساقط من (أ).
[12458]:- (د): الصالحات.
[12459]:- (أ): ضعفوا وهو خطأ.
[12460]:- هذا الأثر موقوف على ابن مسعود، وهو مرفوع حكماً فإنما ذكره مما لا يعرف بالرأي، ولبعض هذا الأثر شاهد من الحديث الصحيح. انظر: جامع البيان 5/90، وتفسير ابن كثير 1/998، والدر المنثور 2/540.
[12461]:- الأنعام آية 161.