تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

المفردات :

المثقال : أصله المقدار الذي له ثقل مهما قل ، ثم أطلق على المعيار المخصوص للذهب وغيره .

الذرة : أصغر ما يدرك من الأجسام ومن ثم قالوا : إنها النملة ، أو رأسها ، أو الخردلة ، أو الهباء( ما يظهر في نور الشمس الداخل من الكوة ) .

ولذلك روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدخل يده في التراب ثم نفخ فيه فقال : كل واحدة من هؤلاء ذرة !

الظلم : النقص كما قال تعالى : كلتا الجنتين ءاتت أكلها ولم تظلم منه شيئا . ومن لدنه : من عنده .

40

التفسير :

40-ِ إ نَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ . أي : إنه تعالى لا ينقص أحدا من أجر عمله والجزاء عليه شيئا ما وإن صغر كذرة الهباء ؛ بل يوفيه أجره ، كما لا يعاقبه بغير استحقاق للعقوبة ، إذ إن الثواب والعقاب تابعان لتأثير الأعمال في النفس بتزكيتها أو تدسيتها ؛ فالعمل يرفعها إلى أعلى عليين أو يهبط بها إلى أسفل سافلين ، ولذلك درجات ومثاقيل مقدرة في نفسها لا يحيط بدقائقها إلا من أحاط بكل شيء علما .

والخلاصة : إن الظلم لا يقع من الله تعالى ؛ لأنه من النقص الذي يتنزه عنه وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم ، وقد خلق للناس مشاعر يدركون بها ما لا يدركه الحس ، وشرع لهم من أحكام الدين وآدابه ما لا تستقبل عقولهم بالوصول إلى مثله في هدايتهم وحفظ مصالحهم ، وهي تسوق إلى الخير وتصرف عن الشر وأيدها بالوعد والوعيد ، فمن وقع بعد ذلك فيما يضره ويؤذيه كان هو الظالم لنفسه ؛ لأن الله لا يظلم أحدا .

وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا . أي : إنه تعالى مع كونه لا ينقص أحدا من أجر عمله مثقال ذرة يزيد للمحسن في حسناته ، فالسيئات جزاؤها بقدرها ، والحسنات يضاعف الله جزاءها عشرة أضعاف أو أضعافا كثيرة كما قال في آية أخرى : مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ . ( الأنعام : 160 ) . وقال : مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً . ( البقرة : 245 ) .

وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا . أي : إنه تعالى لواسع فضله لا يكتفي بجزاء المحسنين على إحسانهم فحسب ، بل يزيدهم من فضله ويعطيهم من لدنه عطاء كبيرا ، وسمى هذا العطاء أجرا ولا مقابل له من الأعمال ؛ لأنه لما كان تابعا للأجر على العمل سمى باسمه لمجاورته له . وفي ذلك إيماء إلى أنه لا يكون لغير المحسنين ، إذ هو علاوة على أجور أعمالهم ، فلا مطمع للمسيئين فيه .