قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ . . . } [ النساء :40 ] .
مِثْقَال : مِفْعَال من الثّقل ، والذَّرَّة الصغيرةُ الحَمْرَاءُ مِنَ النَّمْلِ ، ورُوِيَ عنِ ابْنِ عبَّاس ، أنه قال : الذَّرَّة رأسُ النملةِ ، وقرأ ابنُ عَبَّاس : ( مِثْقَالَ نَمْلَةٍ ) ، قال قتادةُ عن نَفْسه ، ورواه عَنْ بعض العلماء : لأَنْ تَفْضُلَ حَسَنَاتِي علَى سَيِّئاتِي بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيا جميعاً .
وقوله سبحانه : { وَإِن تَكُ حَسَنَةً } التقديرُ : وإِنْ تك زِنَةُ الذَّرَّةِ ، وفي صحيح مُسْلم ، وغيره ، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّم ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ ، وَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ : اللَّهُمَّ ، سَلِّمْ سَلِّمْ ، وفيه : فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ العَيْنِ ، وَكَالْبَرْقِ ، وَكَالرِّيحِ ، وكَالطَّيْرِ ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ ، وَالرِّكَابِ ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ ، وَمخْدُوشَّ مُرْسَلٌ ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، حَتَّى إِذَا خَلُصَ المُؤْمِنُونَ مَنَ النَّارِ ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِيفَاءِ الحَقِّ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا ، كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ وَيَحُجَّونَ ، فَيُقَالَ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً ، قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا ، مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بهِ ، فَيَقُولُ : ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجَدتُّمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ ، فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا ، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجَدتُّمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ ، فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا ، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا ، ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا ، فَمَنْ وَجدتُّمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ ، فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا ، لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً ) ، وكان أبو سعيدٍ الخدريُّ يَقُولُ : إِن لم تصدِّقوني في هذا الحديث ، فاقرؤوا إِن شئْتُمْ : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }[ النساء :40 ] فيقول اللَّه ( عزَّ وجلَّ ) : شَفَعَتِ المَلاَئِكَةُ ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ . . . ) الحديثَ ، انتهى .
ولفظُ البخاريِّ : ( فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ ، إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجُوا فِي إِخْوَانِهِم . . . ) الحديثَ .
وقرأ نافع ، وابنُ كَثيرٍ : { حَسَنَةٌ } ( بالرفع ) ، على تمام كَانَ ، التقدير : وإِنْ تُوجَدْ حَسَنَةٌ ، و( يُضَاعِفْهَا ) : جوابُ الشرطِ ، وقرأ ابن كَثِيرٍ : ( يُضَعِّفْهَا ) ، وهو بناء تكثيرٍ يقتضِي أكْثَرَ مِنْ مرَّتين إِلَى أقصَى ما تريدُ مِنَ العدد ، قال بعضُ المتأوِّلين : هذه الآيةُ خُصَّ بها المهاجِرُون ، لأن اللَّه تعالَى أعلَمَ في كتابه ، أنَّ الحَسَنَةَ لكُلِّ مؤُمِنٍ مضاعَفَةً عَشْرَ مرارٍ ، وأَعْلَمَ في هذه الآيةِ أنها مُضَاعَفَةٌ مراراً كثيرةً ، حَسْبما رَوَى أبو هُرَيْرة مِنْ أنَّها تُضَاعَفُ ألْفَيْ أَلْفِ مَرّةٍ ، وروى غيره : أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ ، وقال بعضُهم : بَلْ وعد بذلك جَمِيعَ المؤمنينَ .
قال ( ع ) : والآيةُ تعمُّ المؤمنين والكافرين ، فأمَّا المؤمنُونَ ، فَيُجَازونَ في الآخِرَةِ على مثاقِيلِ الذَّرِّ ، فما زاد ، وأمَّا الكافِرُونَ ، فما يَفْعَلُونه مِن خَيْر ، فإِنه تَقَعُ عليه المكافأة بنِعَمِ الدنيا ، ويأتُونَ يَوْمَ القيامةِ ، ولا حَسَنَةَ لَهُمْ .
قلْتُ : وقد ذكرنا في هذا المُخْتَصَر من أحاديثِ الرَّجَاء ، وأحاديثِ الشَّفَاعَةِ ، جملةً صالحةً لا تُوجَدُ مجتمعةً في غَيْره على نَحْوِ ما هِيَ فيه ، عَسَى اللَّهُ أَنْ ينفَعَ به النَّاظر فيه ، ومِنْ أعظم أحاديثِ الرَّجَاءِ ما ذَكَره عياضٌ في الشِّفَا ، قَالَ : ومن حديثِ أنَس : سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( لأَشْفَعَنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ لأَكْثَرَ مِمَّا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرٍ وَحَجَرٍ ) اه .
وهذا الحديثُ أخرجه النِّسائِيُّ ، ولفظه : ( إِنِّي لأَشْفَعُ يَوْمَ القِيَامَةِ لأَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَجَرٍ وَحَجَرٍ ) الحديثَ ، انتهى ، من «الكوكب الدُّرِّيَّ » .
و{ مِن لَّدُنْهُ } معناه : مِنْ عنده ، والأَجْرُ العظيمُ : الجَنَّة . قاله ابنُ مَسْعود ، وغيره ، وإِذا مَنَّ اللَّه سبحانه بتفضُّيله علَى عَبْده ، بَلَغَ به الغايَةَ ، اللَّهُمَّ مُنَّ علينا بخَيْرِ الدَّارَيْن بفَضْلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.