{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } إلى آخر الآية ، وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر ، وأنفقوا مما رزقهم الله ؟ فإنّ الله لا يظلم أي لا يبخس ولا ينقص أحداً من خلقه من ثواب عمله شيئاً مثقال ذرّة مثلا ، بل يجازيه بها ويثيبه عليها وهذا مثل يقول : إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة ، فكيف بأكثر منها ؟ والمراد من الكلام : لا يظلم قليلا ، لأن الظلم مثقال ذرّة لا ينتفع به الظالم ، ولا يبين ضرره في المظلوم . وقيل : [ . . . ] ، ودليله من التأويل قوله تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً } [ يونس : 44 ] في الدنيا .
واختلفوا في الذرّة ، فقال ابن عباس : هي النملة الحميراء الصغيرة ، لا تكاد تبين في رأي العين . وقال يزيد بن هارون : وزعموا أنّ الذرة ليس لها وزن ، ويحكى أنّ رجلا وضع خبزاً حتى علاه الذرّة يستره ، فلم يزد على وزن الخبز شيئاً . ودليل هذا التأويل ما روى بشير بن عمرو عن عبد الله أنّه قرأ : ( إنّ الله لا يظلم مثقال نملة ) .
يزيد بن الأصم عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ : { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } ، قال : أدخل ابن عباس يده في إناء ثم رفعها ، ثم نفخ فيها ، ثم قال : كلُّ واحدة من هؤلاء ذرّة ، وقال بعضهم : أجزاء الهباء في الكوّة كلّ جزء منها ذرّة . وقيل : هي الخردلة .
وفي الجملة هي عبارة عن أقلّ الأشياء وأصغرها ، روى أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأمّا الكافر ، فيطعم بها في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة ، لم يكن له حسنة " .
قتادة : كان بعض أهل العلم يقول : لئن يفضل حسناتي على سيئاتي وزن ذرّة أحبُّ إليّ من أن يكون لي الدنيا جميعاً .
عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة ، وأمنوا فما مجادلة أحدكم صاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشدّ من مجادلة المؤمنين لربّهم في إخوانهم الذين أُدخلوا النار " ، قال : " يقولون : ربّنا إخواننا كانوا يُصلّون معنا ، ويصومون معنا ، ويحجّون معنا ، فأدخلتهم النار ؟ فيقول الله عزّ وجلّ : اذهبوا وأخرجوا من عرفتم ، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم ، لا تأكل النار صورهم ، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من أخذته إلى كعبه ، فيخرجونهم فيقولون : ربّنا أخرجْنا من أَمرتَنا ، ثم يقول تعالى : أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار ، حتى يقول : من كان في قلبه مثقال ذرّة " .
وقال أبو سعيد : فمن لم يصدق بهذا فليقرأ هذه الآية { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ . . . } .
قال : " فيقولون : ربّنا قد أخرجنا من أمرتنا ، فلم يبقَ في النار أحد فيه خير " . قال : " ثم يقول الله عزّ وجلّ : شُفعت الملائكة ، وشُفعت الأنبياء ، وشُفعت المؤمنون ، وبقي أرحم الراحمين " ، قال : " فيقبض قبضة من النار أو قال : " قبضتين " ممن لم يعملوا له عزّ وجلّ خيراً قط ، قد احترقوا حتى صاروا حمماً ، قال : فيؤتى بهم إلى ماء يقال له ماء الحياة فيصبّ عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، فيخرجون وأجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم : ( عتقاء الله عزّ وجلّ ) ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم عندي أفضل من هذا " .
قال : " فيقولون : ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين " . قال : " فيقول : ان لكم عندي أفضل من هذا ، فيقولون : ربّنا وما أفضل من ذلك ؟ " قال : " فيقول : رضائي عنكم فلا أسخط عليكم أبداً " " .
وقال آخرون : هذا في الخبر عن ابن [ . . . ] عن عبد الله بن مسعود قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين ، ثم نادى مناد من عند الله : ألا من كان يطلب مظلمة إلى أخيه فليأخذ . قال : فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده وولده أو زوجته أو أخيه ، فيأخذ منه ، وإن كان صغيراً ، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى :
{ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] ، فيؤتى بالعبد وينادي مناد على رؤوس الأشهاد : الأولين والآخرين ، هذا فلان بن فلان من كان له عليه حق ، فليأتِ إلى جنبه ثمّ يقال له : آتِ هؤلاء حقوقهم . فيقول : من أين وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول الله تعالى لملائكته : انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها ، فإن بقي مثقال ذرّة من حسنة ، قالت الملائكة : ربّنا أنت أعلم بذلك منهم ، أعطينا كلّ ذي حق حقه وبقي له مثقال ذرّة من حسنة ، فيقول للملائكة : ضاعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل منّي الجنّة ، ومصداق ذلك في كتاب الله { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } .
وإن كان العبد شقيًّا ، فتقول الملائكة : إلهنا فنيت حسناته وبقيت سيئاته ، وبقي طالبون كثير ، فيقول عزّ وجلّ : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صكّوا له صكاً إلى النار .
فمعنى الآية على هذا التأويل : لا يظلم ، مثقال ذرّة للخصم على الخصم ، بل يثيبه عليها ويضاعفها له ، وذلك قوله { حَسَنَةً } بالنصب على معنى : وان يكن زنةُ الذرّة .
وقرأها أهل الحجاز رفعاً ، بمعنى أن يقع أو يوجد حسنة ، وقال المبرّد : معناه وإن تك حسنة باقية يضاعفها .
وقرأ الحسن : ( نضاعفها ) بالنون الباقون : بالياء ، وهو الصحيح ؛ لقوله : { وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ } وقرأ أبو رجاء وأهل المدينة يُضعّفها . الباقون : يُضْعِفها وهما لغتان معناهما التكثير . وقال أبو عبيده : يضاعفها معناه يجعلها أضعافاً كثيرة ، ويضعّفها بالتشديد يجعلها ضعفين .
{ وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ } أي من عنده ، قال الكسائي : في ( لدن ) أربع لغات لدن ، ولدى ولدُ ولدُنْ . ولمّا أضافوها إلى انفسهم شدّدوا النون .
{ أَجْراً عَظِيماً } وهو الجنّة . عن أبي عثمان قال : بلغني عن أبي هريرة أنه قال : " إنّ الله عزّ وجلّ يعطي عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة ، قال أبو هريرة : لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يعطيه ألفي ألف حسنة " ، ثم تلا : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } ، إلى { أَجْراً عَظِيماً } .
وقال : " إذا قال الله : أجراً عظيماً ، فمن بعد يدري قدره ؟ " " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.