فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

{ إن الله لا يظلم مثقال } مفعال من الثقل كالمقدار من القدر أي لا يظلم شيئا مقدار { ذرة } واحدة الذر وهي النمل الصغير ، وقيل رأس النملة ، وقيل الخردلة ، وقيل كل جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر فيما يدخل من الشمس من كوة أو غيرهما من ذرة ، والأول هو المعنى اللغوي الذي يجب حمل القرآن عليه .

والمراد من هذا الكلام أن الله لا يظلم كثيرا ولا قليلا أي لا يبخسهم من ثواب أعمالهم ولا يزيد في عقاب ذنوبهم وزن ذرة فضلا عما فوقها ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة .

{ وإن تك حسنة } قرأ أهل الحجاز بالرفع أي أن توجد حسنة على أن كان هي التامة لا الناقصة ، وقرأ من عداهم بالنصب أي إن تك فعلته حسنة وحذفت منه النون من غير قياس تشبيها بحرف العلة وتخفيفا لكثرة الاستعمال .

وقال الزجاج : الأصل في { تك } تكون فسقطت الضمة للجزم والواو لسكونها وسكون النون ، وسقوط النون لكثرة الاستعمال تشبيها بحرف اللين لأنها ساكنة فحذفت استخفافا ، وقيل إن التقدير إن يك مثقال ذرة حسنة { يضاعفها } أنث ضمير المثقال لكونه مضافا إلى المؤنث ، والأول أولى .

وقرأ الحسن { نضاعفها } بالنون والباقون بالياء وهي الأرجح ، وقد تقدم الكلام في المضاعفة والمراد مضاعفة ثواب الحسنة لأن مضاعفة نفس الحسنة بأن تجعل الصلات الواحدة صلاتين مما لا يعقل .

عن سعيد ابن جبير : وإن يك حسنة وزن ذرة زادت على سيآته يضاعفها ، فأما المشرك فيخفف بها عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدا ، قال قتادة : لأن تفضل حسناتي على سيآتي بمثقال ذرة أحب إلي من الدنيا وما فيها ، وفي الباب أحاديث يطول ذكرها وهذا عند الحساب .

{ ويؤت } أي يعط صاحبها { من لدنه } أي من عنده على نهج التفضل زائدا على ما وعده في مقابلة العمل { أجرا عظيما } يعني الجنة ، قال أبو هريرة : إذا قال الله أجرا عظيما فمن يقدر قدره .