إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (40)

{ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } المثقالُ مِفعالٌ من الثِقْل كالمقدار من القدْر وانتصابُه على أنه نعتٌ للمفعول قائمٌ مَقامَه سواءٌ كان الظلمُ بمعنى النقصِ أو بمعنى وضعِ الشيءِ في غير موضعِه أي لا ينقُص من الأجر ولا يزيد في العقاب شيئاً مقدارَ ذرةٍ ، أو على أنه نعتٌ للمصدر المحذوفِ نائبٌ منابَه أي لا يظلم ظلماً مقدارَ ذرةٍ وهي النملةُ الصغيرةُ أو كلُّ جزءٍ من أجزاء الهَباءِ في الكُوَّة وهو الأنسبُ بمقام المبالغةِ فإن قِلَّته في الثقل أظهرُ من قلة النملة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدخَلَ يدَه في التراب ثم نفَخ فيه فقال : كلُّ واحدة من هؤلاء ذرة . { وَإِن تَكُ حَسَنَةً } أي وإن تك مثقالَ ذرةٍ حسنةً ، أنَّث لتأنيث الخبرِ أو لإضافته إلى الذرة ، وحُذِف النونُ من غير قياسٍ تشبيهاً بحروف العلةِ وتخفيفاً لكثرة الاستعمالِ ، وقرئ حسَنةٌ بالرفع على أن كان تامةٌ { يضاعفها } أي يضاعفْ ثوابَها ، جعل ذلك مضاعفةً لنفس الحسَنةِ تنبيهاً على كمال الاتصالِ بينهما كأنهما شيءٌ واحدٌ ، وقرئ يُضْعِفْها وكلاهما بمعنى واحد ، وقرئ نُضاعِفْها بنون العظمةِ على طريقة الالتفات . عن عثمانَ النهدي أنه قال لأبي هريرة رضي الله عنه : بلغني عنك أنك تقول : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الله تعالى يعطي عبدَه المؤمنَ بالحسنة ألفَ ألفِ حسنةٍ » قال أبو هريرة : لا بل سمعتُه صلى الله عليه وسلم يقول : «يُعطيه ألفَيْ ألفِ حسنةٍ » ثم تلا هذه الآيةَ ، والمرادُ الكثرةُ لا التحديد { وَيُؤْتِ مِن لَدُنْهُ } ويعطِ صاحِبَها من عنده على نهج التفضُّلِ زائداً على ما وعده في مقابلة العملِ { أَجْراً عَظِيماً } عطاء جزيلاً وإنما سماه أجراً لكونه تابعاً للأجر مَزيداً عليه .