ثم رغب في الإيمان والطاعة قائلاً : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } والمثقال مفعال من الثقل كالميزان من الوزن . والذرة النملة الصغيرة . وعن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها ثم قال : كل واحد من هذه الأشياء ذرة . وقيل : كل جزء من أجزاء الهباء في الكوّة ذرة . وانتصاب { مثقال } على أنه مفعول ثان أي لا ينقص الناس مثقال ذرة ، أو على المصدر أي ظلماً قدر مقدارها ، وأراد نفي الظلم رأساً إلا أنه أخرج الكلام على أصغر المتعارف .
وهذه الآية مما يتمسك به المعتزلة في أنه تعالى غير خالق لأعمال العباد وإلا كان ظلمهم منسوباً إليه ، وفي أن العبد يستحق الثواب على طاعته وإلا كان منعه عنه ظلماً . وأجيب بأنه إذا كان متصرفاً في ملكه كيف شاء فلا يتصور منه ظلم أصلاً . وقد يحتج الأصحاب ههنا على صحة مذهبهم في عدم الإحباط بأن عقاب شرب قطرة من الخمر لو كان مزيلاً لطاعات سبعين سنة كان ظلماً ، وفي عدم وعيد الفساق بأن عقاب شرب جرعة من الخمر لو كان دائماً مخلداً لزوم إبطال ثواب إيمان سبعين سنة وهو ظلم . ثم قال : { وإن تك } حذفت النون من هذه الكلمة بعد سقوط الواو بالتقاء الساكنين لأجل التخفيف وكثرة الاستعمال . من قرأ { حسنة } بالرفع فعلى " كان " التامة ، ومن قرأ بالنصب فالتأنيث في ضمير المثقال لكونه مضافاً إلى مؤنث . والمراد بالمضاعفة ليس هو المضاعفة بالمدة لأن مدة الثواب غير متناهية وتضعيف غير المتناهي محال ، بل المراد المضاعفة بحسب المقدار ، كأن يستحق عشرة أجزاء من الثواب فيجعله عشرين أو ثلاثين . عن ابن مسعود أنه قال : يؤتى بالعبد يوم القيامة وينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين : هذا فلان ابن فلان ، من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ، ثم يقال له : أعط هؤلاء حقوقهم ، فقول : يا رب ومن أين وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول الله لملائكته : انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها ، فإن بقي مثقال ذرة من حسنة ضعفها الله تعالى لعبده وأدخله الجنة بفضل رحمته ومصداق ذلك في كتاب الله { وإن تك حسنة يضاعفها } . قال الحسن : الوعد بالمضاعفة أحب عند العلماء مما لو قال في الحسنة الواحدة مائة ألف حسنة ، لأن هذا يكون مقداره معلوماً ، أما على هذه العبارة فلا يعلم كميته إلاّ الله تعالى . وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة . وأما الكافر فبطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها " أما قوله : { ويؤت من لدنه أجراً عظيماً } فإن { لدن } بمعنى عند إلا أن لدن أكثر تمكناً . يقول الرجل : عندي مال وإن كان المال ببلد آخر . ولا يقول : لديّ مال إلاّ إذا كان بحضرته . والمعتزلة حملوا المضاعفة على القدر المستحق وهذا الثاني على الفضل التابع للأجر . ويمكن أن يقال : الأول إشارة إلى السعادات الجسمانية ، والثاني إشارة إلى اللذات الروحانية والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.