المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

224- لا تجعلوا اسم الله معرَّضاً لكثرة الحلف به ، لأن ذلك ينافى تعظيم اسم الله ، وأن الامتناع عن كثرة الحلف باسم الله يؤدي إلى البر والتقوى والقدرة على الإصلاح بين الناس ، إذ يكون الممتنع جليل القدر في أعين الناس موثوقاً به بينهم فيقبل قوله ، والله سميع لأقوالكم وأيمانكم ، عليم بنياتكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

المقصود من اليمين ، والقسم تعظيم المقسم به ، وتأكيد المقسم عليه ، وكان الله تعالى قد أمر بحفظ الأيمان ، وكان مقتضى ذلك حفظها في كل شيء ، ولكن الله تعالى استثنى من ذلك إذا كان البر باليمين ، يتضمن ترك ما هو أحب إليه ، فنهى عباده أن يجعلوا أيمانهم عرضة ، أي : مانعة وحائلة عن أن يبروا : أن{[140]}  يفعلوا خيرا ، أو يتقوا شرا ، أو يصلحوا بين الناس ، فمن حلف على ترك واجب وجب حنثه ، وحرم إقامته على يمينه ، ومن حلف على ترك مستحب ، استحب له الحنث ، ومن حلف على فعل محرم ، وجب الحنث ، أو على فعل مكروه استحب الحنث ، وأما المباح فينبغي فيه حفظ اليمين عن الحنث .

ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة ، أنه " إذا تزاحمت المصالح ، قدم أهمها " فهنا تتميم اليمين مصلحة ، وامتثال أوامر الله في هذه الأشياء ، مصلحة أكبر من ذلك ، فقدمت لذلك .

ثم ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي : لجميع الأصوات { عَلِيمٌ } بالمقاصد والنيات ، ومنه سماعه لأقوال الحالفين ، وعلمه بمقاصدهم هل هي خير أم شر ، وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته ، وأن أعمالكم ونياتكم ، قد استقر علمها عنده .


[140]:- في ب: أي.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

وبعد أن بينت لنا السورة الكريمة حكم المباشرة في فترة الحيض تابعت حديثها عن شئون الأسرة فذكرت حكم الإِيلاء أي الحلف بالامتناع عن المباشرة بعد أن قدمت له بالحديث عن الحلف في ذاته . استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكي ذلك فتقول :

{ وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ . . . }

العرضة : فعله - بضم الفاء - بمعنى مفعول كالقبضة والغرقة ، وهي اسم لكل ما يعترض الشيء فيمنع من الوصول إليه ، واشتقاقها من الشيء الذي يوضع في عرض الطريق فيصير مانعاً للناس من السلوك والمرور يقال فلان عرضة دون الخير أي حاجز عنه .

وتطلق كذلك على النصبة التي تتعرض للسهام وتكون هدفاً لها ، ومنه قولهم : فلان عرضة للناس إذا كانوا يقعون فيه ويعرضون له بالمكروه . قال الشاعر :

دعوني أنح وجداً كنوح الحمائم . . . ولا تجعلوني عرضة للوائم

يريد اتركوني أنح من الشوق ولا تجعلوني معرضاً للوم الوائم .

والأيمان : جمع يمين وتطلق بمعنى الحلف والقسم ، واصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه وضع كل واحد من المتعاهدين يمينه في يمين صاحبه ، و " تبروا " من البر وهو الأمر المستحسن شرعا .

والمعنى على الوجه الأول : لا تجعلوا الحلف بالله - أيها المؤمنون - حاجزاً ومانعاً عن البر والتقوى والإِصلاح بين الناس ، وذلك أن بعض الناس كان إذا دعى إلى فعل الخير وهو لا يريد أن يفعله يقول : حلفت بالله ألا أفعله فنهاهم الله - تعالى - عن سلوك هذا الطريق .

وهذا المعنى هو الذي رجحه كثير من المفسرين لأنه هو المناسب لما يجئ بعد ذلك من قوله - تعالى - : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } ووجه المناسبة أن الله - تعالى - يكره للمؤمن أن يجعل الحلف به مانعاً من رجوعه إلى أهله ؛ ولأن هناك أحاديث كثيرة تحض من حلف على ترك أمر من أمور الخير أن يكفر عن يمينه وأن يأتي الأمر الذي فيه خير ، ومن هذه الأحاديث ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني والله إن شاء الله ، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحلللتها " .

وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير " .

وشبيه بهذه الآية في النهي عن الحلف على ترك فعل الخير قوله - تعالى - في شأن سيدنا أبي بكر عندما أقسم ألا ينفق على قريبه الذي خاض في شأن ابنته عائشة { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ } فالآية على هذا الوجه تنهى المؤمن عن المحافظة على اليمين إذا كانت هذه اليمين ما نعة من فعل الخير .

واللام في قوله : { لأَيْمَانِكُمْ } متعلق بعرضة ، وقوله { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ } مفعول لأجله أي : لا تجعلوا الحلف بالله سبباً في الامتناع عن عمل البر والتقوى والإِصلاح بين الناس .

والمعنى على أن عرضة بمعنى النصبة التي تتعرض للسهام : لا تجعلوا - أيها المؤمنون - اسم الله - تعالى - هدفاً لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به في كل حق وباطل ، وذلك لأجل البر والتقوى والإِصلاح بين الناس ، فإن من شأن الذي يكثر الحلف أن تقل ثقة الناس به وبأيمانه ، وقد ذم الله - تعالى - من يكثر الحلف بقوله { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } وأمر بحفظ الأيمان فقال : { واحفظوا أَيْمَانَكُمْ } قال الإِمام الرازي : والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان ، أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ، ولا يبقى لليمين في قلبه وقع ، فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة ، فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين ، وأيضاً كلما كان الإِنسان أكثر تعظيما لله . كان أكمل في العبودية ، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله - تعالى - أجل وأعلاه عنده من أن يستشهد به في غرض دنيوي ، وأما قوله بعد ذلك { أَن تَبَرُّواْ } فهو علة لهذا النهي . أي : إرادة أن تبروا والمعنى إنما نهيتم عن هذا - أي عن الإِكثار من الحلف - لما أن توقى ذلك من البر والتقوى والإِصلاح ، فتكونون يا معشر المؤمنين بسبب عدم إكثاركم من الأيمان - بررة أتقياء مصلحين " .

وهذا الوجه أيضاً استحسنه كثير من العلماء ، ولا تنافى بينهما ؛ لأن الله - تعالى - ينهانا عن أن نجعل القسم به مانعاً من فعل الخير ، كما ينهانا في الوقت نفسه عن أن نكثر من الحلف به في عظيم الأمور وحقيرها .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : سميع لأقوالكم وأيمانكم عند النطق بها عليم بأحوالكم ونياتكم فحافظوا على أمركم به ، وانتهوا عما نهاكم لتنالوا رضاه ومثوبته .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

يقول تعالى : لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها ، كقوله تعالى : { وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النور : 22 ] ، فالاستمرار على اليمين آثَمُ لصاحبها من الخروج منها بالتكفير . كما قال البخاري :

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن همام بن منبه ، قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لأن يلجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثمُ له عند الله من أن يُعطي كفارته التي افترض الله عليه " .

وهكذا رواه مسلم ، عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق ، به . ورواه أحمد ، عنه ، به .

ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا يحيى بن صالح ، حدثنا معاوية ، هو ابن سلام ، عن يحيى ، وهو ابن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استلج في أهله بيمين ، فهو أعظم إثمًا ، ليس تغني الكفارة " .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ } قال : لا تجعلن عرضة ليمينك ألا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .

وهكذا قال مسروق ، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وعكرمة ، ومكحول ، والزهري ، والحسن ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، والسدي . ويؤيد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصحيحين ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " وثبت فيهما أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة : " يا عبد الرحمن بن سمرة ، لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " .

وروى مسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا

منها ، فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا خليفة بن خياط ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفارتها " .

ورواه أبو داود من طريق عبيد الله بن الأخنس ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ، ولا في معصية الله ، ولا في قطيعة رحم ، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها ، وليأت الذي هو خير ، فإن تركها كفارتها " .

ثم قال أبو داود : والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها : " فليكفر عن يمينه " وهي الصحاح .

وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سعيد الكندي ، حدثنا علي بن مُسْهِر ، عن حارثة بن محمد ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على قطيعة رحم أو معصية ، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه " .

وهذا حديث ضعيف ؛ لأن حارثة [ هذا ] هو ابن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، متروك الحديث ، ضعيف عند الجميع .

ثم روى ابن جرير عن ابن جبير وسعيد بن المسيب ، ومسروق ، والشعبي : أنهم قالوا : لا يمين في معصية ، ولا كفارة عليها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (224)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرّواْ وَتَتّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ فقال بعضهم : معناه : ولا تجعلوه علة لأيمانكم ، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس ، قال : عليّ يمين بالله ألا فعل ذلك ، أو قد حلفت بالله أن لا أفعله . فيعتلّ في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأِيمَانِكُمْ قال : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ، ثم يعتلّ بيمينه يقول الله : أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح ، وإن حلفت كفّرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه مثله ، إلا أنه قال : وإن حلفت فكفر عن يمينك ، وافعل الذي هو خير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عبيد الله عن إسرائيل ، عن السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدّق ، أو يكون بينه وبين إنسان مغاضبة ، فيحلف لا يصلح بينهما ويقول : قد حلفت ، قال : يكفر عن يمينه ، وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا يقول : لا تعتلوا بالله أن يقول أحدكم : إنه تألّى أن لا يصل رحما ، ولا يسعى في صلاح ، ولا يتصدّق من ماله ، مهلاً مهلاً بارك الله فيكم فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان ، فلا تطيعوه ، ولا تنفذوا له أمرا في شيء من نذوركم ولا أيمانكم .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبرّ ، فإذا قيل له قال : قد حلفت .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قال : الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير الأمر الحسن يقول حلفت ، قال الله : افعل الذي هو خير ، وكفر عن يمينك ، ولا تجعل الله عرضة .

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ . . . الآية ، هو الرجل يحرّم ما أحلّ الله له على نفسه ، فيقول : قد حلفت فلا يصلح إلا أن أَبرّ يميني . فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم ، ويأتوا الحلال .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ أما عُرْضَة : فيعرض بينك وبين الرجل الأمر ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله ، وأما تبّروا : فالرجل يحلف لا يبرّ ذا رحمه ، فيقول : قد حلفت . فأمر الله أن لا يعرّض بيمينه بينه وبين ذي رحمه ، وليبرّه ولا يبالي بيمينه ، وأما تصلحوا : فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه ، فيحلف أن لا يُصلح بينهما ، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه ، وهذا قبل أن تنزل الكفارات .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : يحلف أن لا يتقي الله ولا يصل رحمه ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم ، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير . ذكر من قال ذلك :

3حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ يقول : لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .

3حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ كان الرجل يحلف على الشيء من البرّ والتقوى ولا يفعله . فنهى الله عز وجل عن ذلك ، فقال : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : هو الرجل يحلف أن لا يبرّ قرابته ولا يصل رحمه ولا يصلح بين اثنين . يقول : فليفعل وليكفر عن يمينه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن إبراهيم النخعي في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قال : لا تحلف أن لا تتقي الله ، ولا تحلف أن لا تبرّ ولا تعمل خيرا ، ولا تحلف أن لا تصل ، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس ، ولا تحلف أن تقتل وتقطع .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن داود ، عن سعيد بن جبير ومغيرة عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً الآية ، قالا : هو الرجل يحلف أن يبرّ ولا يتقي ولا يصلح بين الناس ، وأمر أن يتقي الله ، ويصلح بين الناس ، ويكفر عن يمينه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس ، فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله وليدع يمينه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ الآية ، قال ذلك في الرجل يحلف أن لا يبرّ ولا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس ، فأمره الله أن يدع يمينه ويصل رحمه ويأمر بالمعروف ويصلح بين الناس .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن حرب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ قالت : لا تحلفوا بالله وإن بررتم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : حدثت أن قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ الآية ، نزلت في أبي بكر في شأن مِسْطح .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ الآية ، قال : يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، ولا يصل رحمه .

حدثني المثنى ، حدثنا سويد ، أخبرنا ابن المبارك ، عن هشيم ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه :

حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد ، عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لاِءَيْمَانِكُمْ قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرا ولا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس ، نهاهم الله عن ذلك .

وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال : معنى ذلك لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين الله وبين الناس . وذلك أن العرضة في كلام العرب : القوّة والشدة ، يقال منه : هذا الأمر عرضة له ، يعني بذلك : قوّة لك على أسبابك ، ويقال : فلانة عرضة للنكاح : أي قوّة ، ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق :

مِنْ كُلّ نَضّاخَةِ الذّفْرى إذَا عَرقتْ *** عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلامِ مَجْهُولُ

يعني ب«عرضتها » : قوتها وشدتها .

فمعنى قوله تعالى ذكره : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ إذا : لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبرّوا ، ولا تتقوا ، ولا تصلحوا بين الناس ، ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البرّ والإصلاح بين الناس فليحنث في يمينه ، وليبرّ ، وليتق الله ، وليصلح بين الناس ، وليكفر عن يمينه . وترك ذكر «لا » من الكلام لدلالة الكلام عليها واكتفاء بما ذكر عما ترك ، كما قال امرؤ القيس :

فَقُلْتُ يَمِينُ اللّهِ أبْرَحُ قاعِدا *** ولَوْ قَطّعُوا رأسي لَدَيْكِ وأوْصَالي

بمعنى : فقلت : يمين الله لا أبرح . فحذف «لا » اكتفاء بدلالة الكلام عليها .

وأما قوله : أنْ تَبَرّوا فإنه اختلف في تأويل البرّ الذي عناه الله تعالى ذكره ، فقال بعضهم : هو فعل الخير كله . وقال آخرون : هو البرّ بذي رحمه ، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى .

وأولى ذلك بالصواب قول من قال : عنى به فعل الخير كله ، وذلك أن أفعال الخير كلها من البرّ . ولم يخصص الله في قوله أنْ تَبَرّوا معنى دون معنى من معاني البرّ ، فهو على عمومه ، والبرّ بذوي القرابة أحد معاني البرّ .

وأما قوله : وَتَتّقُوا فإن معناه : أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدوها ، وقد ذكرنا تأويل من تأول ذلك أنه بمعنى التقوى قبل .

وقال آخرون في تأويله بما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا قال : كان الرجل يحلف على الشيء من البرّ والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عزّ وجلّ عن ذلك ، فقال : وَلا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ الآية ، قال : ويقال : لا يتق بعضكم بعضا بي ، تحلفون بي وأنتم كاذبون ليصدقكم الناس وتصلحون بينهم ، فذلك قوله : أنْ تَبَرّوا وَتَتّقُوا . . . الآية .

وأما قوله : وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه ، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه .

وأما الذي ذكرنا عن السدي من أن هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ، والخبر عما كان لا تدرك صحته إلا بخبر صادق ، وإلا كان دعوى لا يتعذر مثلها وخلافها على أحد . وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في سورة المائدة ، واكتفي بذكرها هناك عن إعاتها ههنا ، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجب من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف .

القول في تأويل قوله تعالى : وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

يعني تعالى ذكره بذلك : والله سميع لما يقوله الحالف منكم بالله إذا حلف ، فقال : والله لا أبرّ ، ولا أتقي ، ولا أصلح بين الناس ، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم ، عليم بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك ، الخير تريدون أم غيره ، لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور ، لا تخفى عليّ خافية ، ولا ينكتم عني أمر عُلن ، فظهر أو خفي فبطن ، وهذا من الله تعالى ذكره تهدد ووعيد . يقول تعالى ذكره : واتقون أيها الناس أن تظهروا بألسنتكم من القول ، أو بأبدانكم من الفعل ، ما نهيتكم عنه ، أو تضمروا في أنفسكم ، وتعزموا بقلوبكم من الإرادات والنيات فعل ما زجرتكم عنه ، فتستحقوا بذلك مني العقوبة التي قد عرفتكموها ، فإني مطلع على جميع ما تعلنونه أو تسرّونه .