المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

19- وتوسط في مشيك بين السرعة والبطء ، واخفض من صوتك ، لأن أقبح ما يستنكر من الأصوات هو صوت الحمير ، أوله زفير مما يكره ، وآخره شهيق مما يستقبح .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي : امش متواضعا مستكينا ، لا مَشْيَ البطر والتكبر ، ولا مشي التماوت .

{ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ } أدبا مع الناس ومع اللّه ، { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ } أي أفظعها وأبشعها { لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة ، لما اختص بذلك الحمار ، الذي قد علمت خسته وبلادته .

وهذه الوصايا ، التي وصى بها لقمان لابنه ، تجمع أمهات الحكم ، وتستلزم ما لم يذكر منها ، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها ، إن كانت أمرا ، وإلى تركها إن كانت نهيا .

وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة ، أنها العلم بالأحكام ، وحِكَمِها ومناسباتها ، فأمره بأصل الدين ، وهو التوحيد ، ونهاه عن الشرك ، وبيَّن له الموجب لتركه ، وأمره ببر الوالدين ، وبين له السبب الموجب لبرهما ، وأمره بشكره وشكرهما ، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما ، ما لم يأمرا بمعصية ، ومع ذلك فلا يعقهما ، بل يحسن إليهما ، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك . وأمره بمراقبة اللّه ، وخوَّفه القدوم عليه ، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر ، إلا أتى بها .

ونهاه عن التكبر ، وأمره بالتواضع ، ونهاه عن البطر والأشر ، والمرح ، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات ، ونهاه عن ضد ذلك .

وأمره بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة الصلاة ، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر ، كما قال تعالى : فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا ، أن يكون مخصوصا بالحكمة ، مشهورا بها . ولهذا من منة اللّه عليه وعلى سائر عباده ، أن قص عليهم من حكمته ، ما يكون لهم به أسوة حسنة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

ثم أمر بالقصد والاعتدال فى كل أموره فقال : { واقصد فِي مَشْيِكَ } أى وكن معتدلا فى مشيك ، بحيث لا تطبئ ولا تسرع . من القصد وهو التوسط فى الأمور .

{ واغضض مِن صَوْتِكَ } واخفض من صوتك فلا ترفعه إلا إذا استدعى الأمر رفعه ، فإن غض الصوت عند المحادثة فيه أدب وثقة بالنفس ، واطمئنان إلى صدق الحديث واستقامته .

وكان أهل الجاهلية يتفاخرون بجهارة الصوت وارتفاعه ، فنهى المؤمنون عن ذلك ، ومدح - سبحانه - الذين يخفضون أصواتهم فى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } وقوله - تعالى - { إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير } تعليل للأمر بخفض الصوت ، وللنهى عن رفعه بدون موجب .

أى : إن أقبح الأصوت وأبشعها لهو صوت الحمير ، فالجملة الكريمة حض على غض الصوت بأبلغ وجه وآكده ، حيث شبه - سبحانه الرافعين لأصواتهم فى غير حاجة إلى ذلك ، بأصوات الحمير التى هى مثار السخرية مع النفور منها .

وهكذا نجد أن لقمان قد أوصى ابنه بجملة من الوصايا السامية النافعة ، فقد أمره - أولا - بإخلاص العبادة لله - تعالى - ثم غرس فى قلبه الخوف من الله - عز وجل - ، ثم حضه على إقامة الصلاة ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، وعلى الصبر على الأذى ، ثم نهاه عن الغرور والتكبر والافتخار ، وعن رفع الصوت بدون مقتض لذلك . وبتفيذ هذه الوصايا ، يسعد الأفراد ، وترقى المجتمعات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

ومع النهي عن مشية المرح ، بيان للمشية المعتدلة القاصدة : واقصد في مشيك . . والقصد هنا من الاقتصاد وعدم الإسراف . وعدم إضاعة الطاقة في التبختر والتثني والاختيال . ومن القصد كذلك . لأن المشية القاصدة إلى هدف ، لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر ، إنما تمضي لقصدها في بساطة وانطلاق .

والغض من الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته . وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سيء الأدب ، أو شاك في قيمة قوله ، أو قيمة شخصه ؛ يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة والزعاق !

والأسلوب القرآني يرذل هذا الفعل ويقبحه في صورة منفرة محتقرة بشعة حين يعقب عليه بقوله : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) . . فيرتسم مشهد مضحك يدعو إلى الهزء والسخرية ، مع النفور والبشاعة . ولا يكاد ذو حس يتصور هذا المشهد المضحك من وراء التعبير المبدع ، ثم يحاول . . شيئا من صوت هذا الحمير . . !

وهكذ تنتهي الجولة الثانية ، بعدما عالجت القضية الأولى ، بهذا التنويع في العرض ، والتجديد في الأسلوب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

{ واقصد في مشيك } توسط فيه بين الدبيب والإسراع . وعنه عليه الصلاة والسلام : " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما كان إذا مشى أسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت ، وقرئ بقطع الهمزة من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية . { واغضض من صوتك } وانقص منه واقصر . { إن أنكر الأصوات } أوحشها . { لصوت الحمير } والحمار مثل في الذم سيما نهاقه ولذلك يكنى عنه فيقال طويل الأذنين ، وفي تمثيل الصوت المرتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الاستعارة مبالغة شديدة وتوحيد الصوت لأن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الآحاد أو لأنه مصدر في الأصل .