إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

{ واقصد فِي مَشْيِكَ } بعد الاجتنابِ عن المَرَح فيه أي توسَّطْ بين الدبيبِ والإسراعِ وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( سرعةُ المشيِ تُذهُب بهاءَ المُؤمنِ ) وقولُ عائشةَ في عمرَ رضي الله عنهما : ( كانَ إذا مشَى أسرعَ ) فالمرادُ به ما فوقَ دبيبِ المتماوتِ . وقرئ بقطعِ الهمزةِ من أقصَدَ الرَّامِي إذا سدَّدَ سهمَه نحوَ الرَّميةِ . { واغضض مِن صَوْتِكَ } وانقُص منه واقصُر { إِنَّ أَنكَرَ الأصوات } أي أوحشَها { لَصَوْتُ الحمير } تعليلٌ للأمرِ على أبلغِ وجهٍ وآكدِه مبنيٌّ على تشبيهِ الرَّافعينَ أصواتَهم بالحميرِ ، وتمثيلِ أصواتِهم بالنُّهاقِ وإفراطٌ في التَّحذيرِ عن رفعِ الصَّوتِ والتَّنفيرِ عنه ، وإفرادُ الصَّوتِ مع إضافتِه إلى الجمعِ لما أنَّ المرادَ ليس بيانَ حالِ صوتِ كلِّ واحدٍ من آحادِ هذا الجنسِ حتى يُجمعَ بل بيانَ حالِ صوتِ هذا الجنسِ من بينِ أصواتِ سائرِ الأجناسِ .