محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي توسط بين الدبيب والإسراع { وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } أي انقص من رفعه ، وأقصر ، فإنه يقبح بالرفع حتى ينكره الناس ، إنكارهم على صوت الحمير . كما قال : { إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } معللا للأمر على أبلغ وجه وآكده و { أنكر } بمعنى أوحش . من قولك ( شيء نكر ) إذا أنكرته النفوس واستوحشت منه ونفرت . كما يقال في العرف للقبيح ( وحش ) وأصله ضد الأنس والألفة . فهو إما مجاز أو كناية .

قال الزمخشري : الحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة وكذلك نهاقه . ومن استفحاشهم لذكره مجردا ، وتفاديهم من اسمه ، أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به . فيقولون ( الطويل الأذنين ) كما يكنى عن الأشياء المستقذرة . وقد عد في مساوي الآداب ، أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولى المروءة .

ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا ، وإن بلغت منه الرحلة . فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير ، وتمثيل أصواتهم بالنهاق ، ثم إخلاء الكلام من لفظ التشبيه ، وإخراجه مخرج الاستعارة ، وأن جعلوا حميرا ، وصوتهم نهاقا – مبالغة شديدة في الذم والتهجين . وإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه . وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان . انتهى .

تنبيه : جاء ذكر لقمان في أحاديث مرفوعة . منها ما رواه الإمام أحمد {[6101]} عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لقمان الحكيم كان يقول : إن الله إذا استودع شيئا حفظه ) . وروى ابن أبي حاتم عن القاسم بن مخيمرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه : يا بني إياك والتقنع ، فإنه مخوفة بالليل ، ومذمة بالنهار ) .

ومن الآثار فيه ما رواه ابن أبي حاتم عن السري بن يحيى قال : ( قال لقمان لابنه : يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك ) . وعن عون بن عبد الله قال : ( قال لقمان لابنه : يا بني ! إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام ( يعني السلام ) ثم اجلس في ناحيتهم ، فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا . فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك معهم . وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم ) . نقله ابن كثير رحمه الله .


[6101]:أخرجه بالصفحة رقم 87 من الجزء الثاني (طبعة الحلبي).