الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ} (19)

{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي تواضع ولا تتبختر وليكن مشيك قصداً لا بخيلاء ولا إسراع .

أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ سنة إحدى وثمانين وثلثمائة قال : أخبرني أبو العبّاس محمد بن إسحاق السرّاج وأبو الوفا ، المؤيّد بن الحسين بن عيسى قالا : قال عبّاس بن محمد الدوري ، عن الوليد بن سلمة قاضي الأردن ، عن عمر بن صهبان ، عن نافع عن ابن عمران أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :

" سرعة المشي يذهب بهاء المؤمن " .

{ وَاغْضُضْ } واخفض { مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } قال مجاهد وقتادة والضحاك : أقبح ، أوّله زفير وآخره شهيق ، أمره بالاقتصاد في صوته . عكرمة والحكم بن عيينة : أشدّ . ابن زيد : لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله للحمير .

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحري قال : أخبرني أبو حامد أحمد بن عبدون بن عمارة الأعمش قال : أخبرني أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، عن يحيى بن صالح الوحاضي ، عن موسى بن أعين قال : سمعت سفيان يقول في قوله عزّ وجلّ : { إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } يقول : صياح كلّ شيء تسبيح لله عزّ وجلّ إلاّ الحمار . وقيل : لأنّه ينهق بلا فائدة .

أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه عن محمد بن الحسين بن بشر قال : أخبرني أبو بكر ابن أبي الخصيب ، عن عبدالله بن جابر ، عن عبدالله بن الوليد الحراني ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن محمد بن زادان ، عن أُمّ سعد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله عزّ وجلّ يبغض ثلاثة أصوات : نهقة الحمار ، ونباح الكلب ، والداعية بالحرب " .

فصل في ذِكْر بعض ما رُوي مِنْ حِكَمِ لُقمان

أخبرنا عبدالله بن حامد الوزّان الأصفهاني ، عن أحمد بن شاذان ، عن جيغويه بن محمد ( عن صالح بن محمد ) عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن محمد بن عجلان قال : قال لقمان : ليس مال كصحّة ، ولا نعيم كطيب نفس .

وأخبرنا أبو عبدالله الحسين بن محمد الدينوري ، عن عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي ، عن محمد بن عبد الغفّار الزرقاني ، عن أبو سكين زكريا بن يحيى بن عمر بن ( حفص ) عن عمّه أبي زجر بن حصن ، عن جدّه حميد بن منهب قال : حدّثني طاووس ، عن أبي هريرة قال : مرَّ رجل بلقمان والناس مجتمعون عليه فقال : ألستَ بالعبد الأسود الذي كُنتَ راعياً موضع كذا وكذا ؟ قال : بلى . قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني .

وأخبرني الحسين بن محمد قال : أخبرني أبو الحسين بكر بن مالك القطيعي ، عن عبدالله ابن أحمد بن حنبل ، عن أُبيّ ، عن وكيع قال : أخبرني أبو الأشهب ، عن خالد الربعي قال : كان لقمان عبداً حبشيّاً نجّاراً ، فقال له سيّده : اذبح لنا شاة ، فذبح له شاة ، فقال له : ائتني بأطيب المضغتين فيها ، فأتاه باللسان والقلب . فقال : ما كان فيها شيء أطيب من هذا ؟ قال : لا ، قال : فسكت عنه ما سكت ، ثمّ قال له : اذبح لنا شاة ، فذبح شاة ، فقال : ألقِ أخبثها مضغتين ، فرمى باللسان والقلب ، فقال : أمرتك أنْ تأتيني بأطيبها مضغتين فأتيتني باللّسان والقلب وأمرتك أنْ تلقي أخبثها مضغتين فألقيتَ اللسان والقلب ؟ فقال : لأنّه ليس شيء بأطيب منهما إذا طابا وأخبث منهما إذا خبثا .

وأخبرني الحسين بن محمد ، عن أحمد بن جعفر بن حمدان ، عن يوسف بن عبدالله عن موسى ابن إسماعيل ، عن حمّاد بن سلمة ، عن أنس أنّ لقمان كان عند داود ( عليه السلام ) وهو يسرد درعاً فجعل لقمان يتعجّب ممّا يرى ، ويريد أن يسأله ، ويمنعه حكمه عن السؤال ، فلمّا فرغ منها وجاء بها وصبها قال : نِعمَ درع الحرب هذهِ فقال لقمان : إنّ من الحكم الصمت وقليل فاعله .

( وأخبرني الحسين بن محمد بن ماهان عن علي بن محمد الطنافسي ) قال : أخبرني أبو أُسامة ووكيع قالا : أخبرنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : كان لقمان من أهون مملوكيه على سيّده . قال : فبعثه مولاه في رقيق له إلى بستان له ليأتوه من ثمره ، فجاؤوا وليس معهم شيء ، وقد أكلوا الثمر ، وأحالوا على لقمان . فقال لقمان لمولاه : إنّ ذا الوجهين لا يكون عند الله أميناً ، فاسقني وإيّاهم ماءً حميماً ثمّ أرسِلنا فلْنعدُ ، ففعل ، فجعلوا يقيئون تلك الفاكهة وجعل لقمان يقيء ماءً ، فعرف صدقه وكذبهم .

قال : أوّل ما روي من حكمته ، أنّه بينا هو مع مولاه ، إذ دخل المخرج فأطال فيه الجلوس ، فناداه لقمان : إنّ طول الجلوس على الحاجة ينجع منه الكبد ، ويورث الباسور ، ويصعد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هوناً ، وقم هوناً ، قال : فخرج وكتب حكمته على باب [ الحش ] .

قال : وسكر مولاه يوماً فخاطر قوماً على أن يشرب ماء بحيرة ، فلمّا أفاق عرف ما وقع فيه فدعا لقمان فقال : لمثل هذا كنتُ اجتبيتك ، فقال : اخرج كرسيّك وأباريقك ثمّ اجمعهم ، فلمّا اجتمعوا قال : على أيّ شيء خاطرتموه ؟ قالوا : على أن يشرب ماء هذه البحيرة ، قال : فإنّ لها موادَّ احبسوا موادّها عنها ، قالوا : وكيف نستطيع أن نحبس موادها عنها ؟ قال لقمان : وكيف يستطيع شربها ولها موادّ ؟ !

وأخبرني الحسين بن محمد ، عن عبيدالله بن محمد بن شنبه ، عن علي بن محمد بن ماهان ، عن علي بن محمد الطنافسي قال : أخبرني أبو الحسين العكلي [ عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن داود بن عمر ، عن إسماعيل بن عياش عن عبدالله بن دينار أنّ لقمان قدم من سفر ، ] فلقي غلامه في الطريق ، فقال : ما فعل أبي ؟ قال : مات ، قال : الحمد لله ، ملكت أمري . قال : ما فعلت امرأتي ؟ قال : ماتت . قال : جدَّدَ فراشي ، قال : ما فعلت أُختي ؟ قال : ماتت ، قال : ستَرَ عورتي ، قال : ما فعل أخي ؟ قال : مات ، قال : انقطع ظهري .

وأخبرني الحسين بن محمد قال : أخبرني أبو بكر بن مالك ، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن أبي ، عن سفيان قال : قيل للقمان : أيّ الناس شرّ ؟ قال : الذي لا يبالي أنْ يراه الناس مسيئاً . وقيل للقمان : ما أقبح وجهك قال : تعيب بهذا على النقش أو على النقّاش ؟