المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

14- وهو الذي ذلل البحر وجعله في خدمتكم لتصطادوا ولتأكلوا منه لحم الأسماك طريا طازجا ، وتستخرجوا منه ما تتحلون به كالمرجان واللؤلؤ . وترى - أيها الناظر المتأمل - السفن تجرى فيه شاقة مياهه تحمل الأمتعة والأقوات . سخره اللَّه لذلك لتنتفعوا بما فيه وتطلبوا من فضل اللَّه الرزق عن طريق التجارة وغيرها . ولتشكروه على ما هيَّأه لكم ، وذلك لخدمتكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

{ 14 } { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

أي : هو وحده لا شريك له { الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ } وهيأه لمنافعكم المتنوعة . { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه ، { وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } فتزيدكم جمالا وحسنا إلى حسنكم ، { وَتَرَى الْفُلْكَ } أي : السفن والمراكب { مَوَاخِرَ فِيهِ } أي : تمخر في البحر العجاج الهائل بمقدمها حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر ، تحمل المسافرين وأرزاقهم وأمتعتهم وتجاراتهم التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم .

{ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الذي يسر لكم هذه الأشياء وهيأها وتثنون على الله الذي منَّ بها ، فلله تعالى الحمد والشكر والثناء ، حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون ، وأعلى ما يتمنون ، وآتاهم من كل ما سألوه ، لا نحصي ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

وبعد أن ذكر - سبحانه - جملة من نعمه التى أوجدها لعباده فى البر ، أتبع ذلك ببيان جانب من نعمه عليهم عن طريق خلقه للبحر ، فقال - تعالى - : { وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون }

ففى هذه الآية الكريمة بين - سبحانه - أربع نعم على عباده فى تسخير البحر لهم .

أما النعمة الأولى فتتجلى فى قوله - تعالى - { وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } .

والطرى : ضد اليابس ، والمصدر الطراوة ، وفعله طَرُوَ بوزن خشن وقرب .

أى : وهو - سبحانه - وحده الذى ذلل لكم البحر ، بحيث مكنكم من الانتفاع به ، وأقدركم على الركوب عليه ، وعلى الغوص فيه ، وعلى الصيد منه ، لتأكلوا من أسماكه لحما . طريا غضا شهيا .

ووصف - سبحانه - لحم أسماكه بالطراوة ، لأن أكله فى هذه الحالة أكثر فائدة ، وألذ مذاقا ، فالمنة بأكله على هذه الحالة أتم وأكمل .

وقال بعض العلماء : وفى وصفه بالطراوة ، تنبيه إلى أنه ينبغى المسارعة إلى أكله ، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير ، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء ، فسبحان الخبير بخلقه ، ومعرفته ما يضر استعماله وما ينفع ، وفيه أيضا إيماء إلى كمال قدرته - تعالى - فى خلقه الحلو الطرى فى الماء المر الذى لا يشرب .

وقد كره العلماء أكل الطافى منه على وجه الماء ، وهو الذى يموت حتف أنفه فى الماء فيطفو على وجهه ، لحديث جابر - رضى الله عنه - عن النبى صلى الله عليه وسلم : " ما نضب عنه الماء فكلوا ، وما لفظه فكلوا ، وما طفا فلا تأكلوا " .

فالمراد من ميتة البحر فى الحديث : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " مالفظه البحر لا مامات فيه من غير آفة .

وقوله { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } نعمة ثانية من نعم الله - تعالى - للإِنسان فى تسخير البحر له .

والحلية - بالكسر - اسم لما يتحلى به الناس . وجمعها حِلى وحُلى - بضم الحاء وكسرها - يقال : تحلت المرأة إذا لبست الحلى ، أى : ومن فوائد تسخير البحر لكم أنه سبحانه أقدركم على الغوص فيه ، لتستخرجوا منه ما يتحلى به نساؤكم كاللؤلؤ والمرجان وما يشبههما .

قال - تعالى - { مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } والتعبير بقوله - سبحانه - { تستخرجو . . } يشير إلى كثرة الإِخراج فالسين والتاء للتأكيد ، مثل استجاب بمعنى أجاب . كما يشير إلى أن من الواجب على المسلمين أن يباشروا بأنفسهم استخراج ما فى البحر من كنوز وألا يتركوا ذلك لأعدائهم .

وأسند - سبحانه - لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكور فقال : { تلبسونها } على سبيل التغليب ، وإلا فإن هذه الحلية يلبسها النساء فى معظم الأحيان .

قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله { تلبسونها } أى : تلبسها نساؤكم ، وأسند الفعل إلى ضمير الرجال ، لاختلاطهم بهم ، وكونهم متبوعين ، أو لأنهم سبب لتزينهن ، فإنهن يتزين ليحسن فى أعين الرجال ، فكأن ذلك زينتهم ولباسهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

والفوج الخامس من أفواج الخلق والأنعام في البحر الملح الذي لا يشرب ولا يسقي ، ولكنه يشتمل على صنوف من آلاء الله على الإنسان :

( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ، وترى الفلك مواخر فيه ، ولتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون ) . .

ونعمة البحر وأحيائه تلبي كذلك ضرورات الإنسان وأشواقه . فمنه اللحم الطري من السمك وغيره للطعام . وإلى جواره الحلية من اللؤلؤ ومن المرجان ، وغيرهما من الأصداف والقواقع التي يتحلى بها أقوام ما يزالون حتى الآن . والتعبير كذلك عن الفلك يشي بتلبية حاسة الجمال لا بمجرد الركوب والانتقال : ( وترى الفلك مواخر فيه )فهي لفتة إلى متاع الرؤية وروعتها : رؤية الفلك( مواخر )تشق الماء وتفرق العباب . . ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام التوجيه القرآني العالي إلي الجمال في مظاهر الكون ، بجانب الضرورة والحاجة ، لنتملى هذا الجمال ونستمتع به ، ولا نحبس أنفسنا داخل حدود الضرورات والحاجات .

كذلك يوجهنا السياق - أمام مشهد البحر والفلك تشق عبابه - إلى ابتغاء فضل الله ورزقه ، وإلى شكره على ما سخر من الطعام والزينة والجمال في ذلك الملح الأجاج : ( ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

يخبر تعالى عن تسخيره{[16354]} البحر المتلاطم الأمواج ، ويمتن على عباده بتذليله لهم ، وتيسيره للركوب فيه ، وجعله السمك والحيتان فيه ، وإحلاله{[16355]} لعباده لحمها حيها وميتها ، في الحل والإحرام{[16356]} وما يخلقه فيه من اللآلئ والجواهر النفيسة ، وتسهيله للعباد استخراجها من قرارها حلية يلبسونها ، وتسخيره البحر لحمل{[16357]} السفن التي تمخره ، أي : تشقه .

وقيل : تمخر الرياح ، وكلاهما صحيح بجؤجئها وهو صدرها المسنَّم - الذي أرشد العباد إلى صنعتها ، وهداهم إلى ذلك ، إرثا عن أبيهم نوح ، عليه السلام ؛ فإنه أول من ركب السفن ، وله كان تعليم صنعتها ، ثم أخذها الناس عنه قرنًا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، يسيرون من قطر إلى قطر ، وبلد إلى بلد ، وإقليم إلى إقليم ، تجلب ما هنا إلى هنالك ، وما هنالك إلى هنا{[16358]} ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : نعمه وإحسانه .

وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : وجدت في كتابي عن محمد بن معاوية{[16359]} البغدادي : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن [ عمر ، عن ]{[16360]} سُهَيل بن أبى صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة [ رفعه ]{[16361]} قال : كلم الله هذا البحر الغربي ، وكلم البحر الشرقي ، فقال للبحر الغربي : إني حامل فيك عبادًا من عبادي ، فكيف أنت صانع فيهم{[16362]} ؟ قال : أغرقهم . فقال : بأسك في نواحيك . وأحملهم على يدي . وحَرّمه الحلية والصيد . وكلم هذا البحر الشرقي فقال : إني حامل فيك عبادًا من عبادي ، فما أنت صانع بهم ؟ فقال : أحملهم على يدي ، وأكون لهم{[16363]} كالوالدة لولدها . فأثابه الحلية والصيد{[16364]} .

ثم قال البزار : لا نعلم من رواه عن سهيل غير عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر{[16365]} وهو منكر الحديث . وقد رواه سهيل عن النعمان بن أبي عياش{[16366]} عن عبد الله بن عمرو{[16367]} موقوفا{[16368]} .


[16354]:في أ: : تسخير".
[16355]:في ت: "وإجلاله".
[16356]:في أ: "والحرم".
[16357]:في ت: "كحمل".
[16358]:في ف، أ: "تجلب ما هاهنا إلى هناك وما هناك إلى هاهنا".
[16359]:في ت: "معاوية بن محمد".
[16360]:زيادة من ف، أ، ومسند البزار.
[16361]:زيادة من مسند البزار.
[16362]:في ت، ف، أ: "بهم".
[16363]:في ف: "بهم".
[16364]:مسند البزار برقم (1669) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (5/281): "رواه البزار وجادة، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري وهو متروك". ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه (10/233، 234) من هذا الطريق قال: "وتابعه أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، فرواه عن عمه عبد الله بن وهب، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن كعب الأحبار، وخالفهما خالد بن عبد الله الواسطي، فرواه عن سهيل عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن عبد الله بن عمرو موقوفا لم يجاوزه، ورفعه غير ثابت".
[16365]:في ف: "عمرو".
[16366]:في أ: "عباس".
[16367]:في ت، أ، هـ: "عمر" وهو خطأ.
[16368]:رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (10/234) من طريق سعيد بن منصور، عن خالد بن عبد الله، عن سهيل بن أبي صالح به. وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/20): "قلت: الموقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص أشبه، فإنه قد كان وجد يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتبا من علوم أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بأشياء كثيرة من الإسرائيليات منها المعروف والمشهور والمنكور والمردود، فأما المعروف فتفرد به عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو القاسم المدني قاضيها. قال فيه الإمام أحمد: ليس بشيء وقد سمعته منه، ثم مزقت حديثه كان كذابا وأحاديثه مناكير. وكذا ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والجوزجاني والبخاري وأبو داود والنسائي. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير وأفظعها حديث البحر".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

وقوله تعالى : { وهو الذي سخر البحر } الآية تعديد نعم ، وتسخير البحر هو تمكين البشر من التصرف فيه وتذليله للركوب والإرفاق وغيره ، و { البحر } الماء الكثير ملحاً كان أو عذباً ، كله يسمى بحراً ، و { البحر } هنا اسم جنس ، وإذا كان كذلك فمنه أكل اللحم الطري ومنه «استخراج الحلية » ، و «أكل اللحم » يكون من ملحه وعذبه ، وإخراج الحلية إنما يكون فيما عرف من الملح فقط ، ومما عرف من ذلك اللؤلؤ والمرجان والصدف والصوف البحري ، وقد يوجد في العذب لؤلؤ لا يلبس إلا قليلاً ، وإنما يتداوى به ، ويقال إن في الزمرد بحرياً وقد خطىء الهذلي في وصف الدرة . [ الطويل ]

فجاء بها من درة لطمية . . . على وجهها ماء الفرات يدوم

فجعلها من الماء الحلو .

قال القاضي أبو محمد : وتأمل أن قوله يخرج على أنه وصف بريقها ومائيتها فشبهه بماء الفرات ، ولم يذهب إلى الغرض الذي خطىء فيه ، و «اللحم الطري » ، و «الحلية » ما تقدم ، و { الفلك } هنا جمع ، و { مواخر } جمع ماخرة ، والمخر في اللغة الصوت الذي يكون من هبوب الريح على شيء يشق أو يصعب في الجملة الماء فيترتب منه أن يكون من السفينة ونحوها وهو في هذه الآية من السفن ، ويقال للسحاب بنات مخر تشبيهاً ، إذ في جريها ذلك الصوت الذي هو عن الريح والماء الذي في السحاب ، وأمرها يشبه أمر البحر على أن الزجاج قد قال : بنات المخر سحاب بيض لا ماء فيها ، وقال بعض اللغويين المخر في كلام العرب الشق يقال : مخر الماء الأرض .

قال القاضي أبو محمد : فهذا بين أن يقال فيه للفلك { مواخر } ، وقال قوم { مواخر } معناه تجيء وتذهب بريح واحدة ، وهذه الأقوال ليست تفسير اللفظة ، وإنما أرادوا أنها مواخر بهذه الأحوال ، إذ هي موضع النعمة المعددة ، إذ نفس كون الفلك ماخرة لا نعمة فيه ، وإنما النعمة في مخرها بهذه الأحوال في التجارات والسفر فيها وما يمنح الله فيها من الأرباح والمن ، وقال الطبري : المخر في اللغة صوت هبوب الريح ولم يقيد ذلك بكون في ماء ، وقال إن من ذلك قول واصل مولى ابن عيينة إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح أي لينظر في صوتها في الأجسام من أين تهب ، فيتجنب استقبالها لئلا ترد عليه بوله ، وقوله { ولتبتغوا } عطف على { تأكلوا } ، وهذا ذكر نعمة لها تفاصيل لا تحصى ، فيه إباحة ركوب البحر للتجارة وطلب الأرباح ، وهذه ثلاثة أسباب في تسخير البحر .