{ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أي : قليل جدا ، فسره بقوله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ }
لأنه لم يكن لهم قصد إلا تغييبه وإبعاده عن أبيه ، ولم يكن لهم قصد في أخذ ثمنه ، والمعنى في هذا : أن السيارة لما وجدوه ، عزموا أن يُسِرُّوا أمره ، ويجعلوه من جملة بضائعهم التي معهم ، حتى جاءهم إخوته فزعموا أنه عبد أبق منهم ، فاشتروه منهم بذلك الثمن ، واستوثقوا منهم فيه لئلا يهرب ، والله أعلم .
وقوله : - سبحانه - { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين } بيان لما فعله السايرة بيوسف بعد أن أسروه بضاعة .
وقوله { شروه } هنا بمعنى باعوه .
والبخس : النقص ، يقال بخس فلا فلانا حقه ، إذا نقصه وعابه . وهو هنا بمعنى المبخوس .
و { دراهم } جمع درهم ، وهى بدل من { ثمن } .
و { معدود } صفة لدراهم ، وهى كناية عن كونها قليلة ، لأن الشئ القليل يسهل عده ، بخلاف الشئ الكثير ، فإنه في الغالب يوزن وزنا .
والمعنى : أن هؤلاء المسافرين بعد أن أخذوا يوسف ليجعلوه عرضا من عروض تجارتهم ، باعوه في الأسواق بثمن قليل تافه ، وهو عبارة عن دراهم معدودة ، ذكر بعضهم أنها لا تزيد على عشرين درهما .
وقوله : { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين } بيان لعدم حرصهم على بقائه معهم ، إذ أصل الزهد قلة الرغبة في الشئ ، تقول زهدت في هذا الشئ ، إذا كنت كارها له غير مقبل عليه .
أى : وكان هؤلاء الذين باعوه من الزاهدين في بقائه معهم ، الراغبين في التخلص منه بأقل ثمن قبل أن يظهر من يطالبهم به .
قال الآلوسى ما ملخصه : " وزهدهم فيه سببه أنهم التقطوه من الجب ، والملتقط للشئ متهاون به لا يبالى أن يبيعه بأى ثمن خوفا من أن يعرض له مستحق ينزعه منه . . "
القول في تأويل قوله تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ( 20 ) } .
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : { وشروه } به : وباع إخوة يوسف يوسف .
فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه ، قال : " اشتريته " ، ومنه قول ابن مفرّغ الحميري :
وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي*** مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كنْتُ هَامَهْ
يقول : " بعت بردًا " ، وهو عبدٌ كان له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، أنه كره الشراء والبيع للبدويّ . قال : والعرب تقول : " اشر لي كذا وكذا " ، أي : بع لي كذا وكذا ، وتلا هذه الآية : { وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } ، يقول : باعوه ، وكان بيعه حرامًا .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجَه المدلي بدلوه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ،
وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
. . . . قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : { وشروه } ، قال : قال ابن عباس : فبيع بينهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وشروه بثمن بخس } ، قال : باعوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فباعه إخوته بثمن بخس .
وقال آخرون : بل عنى بقوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } : السيارة أنهم باعوا يوسف بثمن بخس . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، وهم السيارة الذين باعوه .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : تأويل ذلك : وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس ، وذلك أن الله عزّ وجلّ قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرّوا شراء يوسف من أصحابهم خيفة أن يستشركوهم بادعائهم أنه بضاعة ، ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلص لهم دونهم ، واسترخاصا لثمنه الذي ابتاعه به ، لأنهم ابتاعوه ، كما قال جلّ ثناؤه ، { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } . ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين لم يكن لقيلهم لرفقائهم : " هو بضاعة " ، معنى ، ولا كان لشرائهم إياه وهم فيه من الزاهدين وجه ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبا على عقولهم ؛ لأنه محال أن يشترى صحيح العقل ما هو فيه زاهد من غير إكراه مكره له عليه ، ثم يكذب في أمره الناس بأن يقول : هو بضاعة لم أشتره مع زهده فيه ، بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنين لنفاستها عنده ، ولما يرجو من نفيس الثمن لها وفضل الربح .
وأما قوله : { بَخْسٍ } ، فإنه يعني : نقص ، وهو مصدر من قول القائل : بَخِسْتُ فلانا حقه : إذا ظلمته ، يعني : ظلمه فنقصه عما يجب له من الوفاء ، أبْخَسُهُ بخسا ومنه قوله : { وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ } . وإنما أريد بثمن مبخوس : منقوص ، فوضع البخس وهو مصدر مكان مفعول ، كما قيل : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، وإنما هو بدم مكذوب فيه .
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : قيل : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ؛ لأنه كان حراما عليهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : البخس : الحرام .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : كان ثمنه بخسا : حراما ، لم يحلّ لهم أن يأكلوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : باعوه بثمن بخس ، قال : كان بيعه حراما ، وشراؤه حراما .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : حرام .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، يقول : لم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنه .
وقال آخرون : معنى البخس هنا : الظلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : البخس : هو الظلم ، وكان بيع يوسف وثمنه حراما عليهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال قتادة : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : ظلم .
وقال آخرون : عُني بالبخس في هذا الموضع : القليل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن قيس ، عن جابر ، عن عامر ، قال : البخس : القليل .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة ، مثله .
وقد بيّنا الصحيح من القول في ذلك .
وأما قوله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، فإنه يعني عز وجلّ : أنهم باعوه بدراهم غير موزونة ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه . وقيل : إنما قيل معدودة ليعلم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين ، لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما ، لأن أقلّ أوزانهم وأصغرها كان الأوقية ، وكان وزن الأوقية أربعين درهما . قالوا : وإنما دلّ بقوله : { مَعْدُودَةٍ } ، على قلة الدراهم التي باعوه بها ، فقال بعضهم : كان عشرين درهما . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : عشرون درهما .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف البكالي ، في قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : عشرون درهما .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع : وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف البكالي : { بَخْسٍ دَرَاهِمَ } ، قال : كانت عشرين درهما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحِمّانيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن نوف ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : عشرون درهما .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : كانت عشرين درهما .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهما ، وكانوا فيه من الزاهدين .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي إدريس ، عن عطية ، قال : كانت الدراهم عشرين درهما اقتسموها درهمين درهمين .
وقال آخرون : بل كان عددها اثنين وعشرين درهما ، أخذ كلّ واحد من إخوة يوسف وهم أحد عشر رجلاً درهمين درهمين منها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : اثنين وعشرين درهما .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : اثنان وعشرون درهما لإخوة يوسف أحد عشر رجلاً .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَة }ٍ .
قال : وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
وقال آخرون : بل كانت أربعين درهما . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : أربعين درهما .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية ، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالأواقي ، فما قصر عن الأوقية فهو عدد ، يقول الله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، أي : لم يبلغ الأوقية .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة غير موزونة ، ولم يحَدّ مبلغ ذلك بوزن ولا عدد ، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد يحتمل أن يكون كان عشرين ، ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين ، وأن يكون كان أربعين ، وأقلّ من ذلك وأكثر ، وأيّ ذلك كان فإنها كانت معدودة غير موزونة وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في ديِن ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه ، والإيمان بظاهر التنزيل فرض ، وما عداه فموضوع عنا تكلّف علمه .
وقوله : { وكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ } ، يقول تعالى ذكره : وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين ، لا يعلمون كرامته عند الله ، ولا يعرفون منزلته عنده ، فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بينه وبين والده ليخلو لهم وجهه منه ، ويقطعوه عن القرب منه لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم مصروفة إليهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ } ، قال : لم يعلموا بنبوّته ومنزلته من الله .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : { وَجاءَتْ سَيّارَةٌ } ، فنزلت على الجبّ ، { فأرْسَلُوا وَارِدَهُمْ } ، فاستقى من الماء ، فاستخرج يوسف ، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه ، فزهدوا فيه ، فباعوه ، وكان بيعه حراما ، وباعوه بدراهم معدودة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { وكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ } ، قال : إخوته زهدوا ، فلم يعلموا منزلته من الله ونبوّته ومكانه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : إخوته زهدوا فيه ، لم يعلموا منزلته من الله عزّ وجلّ .
معنى { شروه } باعوه . يقال : شرى كما يقال : باع ، ويقال : اشترى كما يقال : ابتاع . ومثلهما رَهن وارتهن ، وعاوض واعتاض ، وكَرى واكترى .
والأصل في ذلك وأمثاله أن الفعل للحدث والافتعال لمطاوعة الحدث .
ومن فسر { شروه } باشتروه أخطأ خطأ أوقعه فيه سوء تأويل قوله : { وكانوا فيه من الزاهدين } . وما ادّعاه بعض أهل اللغة أن شرى واشترى مترادفان في معنييهما يغلب على ظني أنه وَهَم إذ لا دليل يدل عليه .
والبخس : أصله مصدر بَخَسه إذا نقصه عن قيمة شيئه . وهو هنا بمعنى المبخوس كالخلق بمعنى المخلوق . وتقدم فعل البخس عند قوله تعالى : { ولا يَبخس منه شيئاً } في سورة البقرة ( 282 ) .
و { دراهم } بدل من { ثمن } وهي جمع درهم ، وهو المسكوك . وهو معرّب عن الفارسية كما في « صحاح الجوهري » .
وقد أغفله الذين جمعوا ما هو معرب في القرآن كالسيوطي في « الإتقان » .
و { معدودة } كناية عن كونها قليلة لأن الشيء القليل يسهل عدّه فإذا كثر صار تقديره بالوزن أو الكيل . ويقال في الكناية عن الكثرة : لا يعدّ .
وضمائر الجمع كلها للسيّارة على أصح التفاسير .
والزهادة : قلة الرغبة في حصول الشيء الذي من شأنه أن يرغب فيه ، أو قلة الرغبة في عوضه كما هنا ، أي كان السيارة غير راغبين في إغلاء ثمن يوسف عليه السّلام . ولعل سبب ذلك قلة معرفتهم بالأسعار .
وصوغ الإخبار عن زهادتهم فيه بصيغة { من الزاهدين } أشد مبالغة مما لو أخبر بكانوا فيه زاهدين ، لأن جعلهم من فريق زاهدين ينبىء بأنهم جَروا في زهدهم في أمثاله على سنَن أمثالهم البسطاء الذين لا يقدرون قدر نفائس الأمور .
و { فيه } متعلق ب { الزاهدين } و ( أل ) حرف لتعريف الجنس ، وليست اسم موصول خلافاً لأكثر النحاة الذين يجعلون ( أل ) الداخلة على الأسماء المشتقة اسم موصول ما لم يتحقق عهد وتمسكوا بعلل واهية وخالفهم الأخفش والمازني .
وتقديم المجرور على عامله للتنويه بشأن المزهود فيه ، وللتنبيه على ضعف توسمهم وبصارتهم مع الرعاية على الفاصلة .