البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

شرى بمعنى باع ، وبمعنى اشترى قال يزيد بن مفرع الحميري :

وشريت برداً ليتني *** من بعد برد كنت هامه

أي بعت برداً ، وبرد غلامه .

وقال الآخر :

ولو أن هذا الموت يقبل فدية *** شريت أبا زيد بما ملكت يدي

أي اشتريت أبا زيد .

والظاهر أن الضمير في وشروه عائد على السيارة ، أي : وباعوا يوسف .

ومن قال : إن الضمير في وأسروه عائد على إخوة يوسف جعله عائداً عليهم أي : باعوا أخاهم يوسف بثمن بخس .

وبخس مصدر وصف به بمعنى مبخوس .

وقال مقاتل : زيف ناقص العيار .

وقال عكرمة : والشعبي : قليل .

وهو معنى لزمخشري : ناقص عن القيمة نقصاً ظاهراً .

وقال ابن قتيبة : البخس الخسيس الذي بخس به البائع .

وقال قتادة : بخس ظلم ، لأنهم ظلموه في بيعه .

وقال ابن عباس وقتادة أيضاً في آخرين : بخس حرام .

وقال ابن عطاء : إنما جعله بخساً لأنه عوض نفس شريفة لا تقابل بعوض وإن جل انتهى .

وذلك أن الذين باعوه إن كانوا الواردة فإنهم لم يعطوا به ثمناً ، فما أخذوا فيه ربح كله وإن كانوا إخوته ، فالمقصود خلو وجه أبيهم منه لا ثمنه .

ودراهم بدل من ثمن ، فلم يبيعوه بدنانير .

ومعدودة إشارة إلى القلة ، وكانت عادتهم أنهم لا يزنون إلا ما بلغ أوقية وهي أربعون درهماً ، لأنّ الكثيرة يعسر فيها العد ، بخلاف القليلة .

قال عكرمة في رواية عن ابن عباس وابن إسحاق : أربعون درهماً .

وقيل : ثلاثون درهماً ، ونعلام وحلة .

وقال السدي : كانت اثنين وعشرين درهماً ، كذا نقله الزمخشري عنه ، ونقله ابن عطية عن مجاهد : أخذها إخوته درهمين درهمين ، وصاحب التحرير عنه ، وعن ابن عباس .

وقال ابن مسعود وابن عباس في رواية ، وعكرمة في رواية ، ونوف الشامي ، ووهب ، والشعبي ، وعطية ، والسدي ، ومقاتل في آخرين : عشرون درهماً .

وعن ابن عباس أيضاً : عشرون ، وحلة ، ونعلان .

وقيل : ثمانية عشر درهماً اشتروا بها أخفافاً ونعالاً .

وقيل : عشرة دراهم ، والظاهر عود الضمير في فيه إلى يوسف أي : لم يعلموا مكانه من الله تعالى قاله : الضحاك ، وابن جريج .

وقيل : يعود على الثمن ، وزهدهم فيه لرداءة الثمن ، أو لقصد إبعاد يوسف لا الثمن .

وهذا إذا كان الضمير في وشروه وكانوا عائداً على إخوة يوسف ، فأما إذا كان عائداً على السيارة فزهدهم فيه لكونهم ارتابوا فيه ، أو لوصف إخوته له بالخيانة والإباق ، أو لعلمهم أنه حر .

وقال الزمخشري : من الزاهدين ، ممن يرغب عما في يده فيبيعه بما طف من الثمن ، لأنهم التقطوه ، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه ، ولأنه يخاف أن يعرض له مستحق فينزعه من يده فيبيعه من أول مساوم بأوكس الثمن .

ويجوز أن يكون معنى وشروه اشتروه ، يعني الرفقة من أخوته .

وكانوا فيه من الزاهدين لأنهم اعتقدوا فيه أنه آبق ، فخافوا أن يخاطروا بمالهم فيه .

ويروى أنّ أخوته اتبعوهم يقولون : استوثقوا منه لا يأبق انتهى .

وفيه تقدم نظيره في { إني لكما لمن الناصحين } وأنه خرج تعلق الجار إما باعني مضمره ، أو بمحذوف يدل عليه من الزاهدين .

أي : وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين ، أو بالزاهدين لأنه يتسامح في الجار والظرف .

فجوز فيهما ما لا يجوز في غيرهما .