الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

وقوله سبحانه : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } : [ يوسف : 20 ] شروه هنا : بمعنى بَاعُوه ، قال الداوديُّ : وعن أبي عُبَيْدة : { وَشَرَوْهُ } أي : باعوه ، فإِذا ابتعت أَنْتَ ، قُلْتَ : اشتريت بمعنى بعث وشريت بمعنى اشتريت لغة ، انتهى . وعلى هذا ، فلا مانِعَ مِنْ حمل اللفظ على ظاهره ، ويكون «شَرَوْهُ » بمعنى : «اشتروه » .

قال ( ع ) : روي أن إِخوة يُوسُفَ لمَّا علموا أن الوُرَّاد قد أخذوه جاؤوهم ، فقالوا : هذا عَبْدٌ قد أَبَقَ منا ، ونحنُ نبيعُهُ منكم ، فقارَّهم يوسُفُ على هذه المقالة ؛ خوفاً منهم ، ولينفذ اللَّه أمره ، وال{ بَخْسٍ } : مصدر وُصِفَ به الثمن ، وهو بمعنى النَّقْصِ .

وقوله : { دراهم مَعْدُودَةٍ } : عبارةٌ عن قلة الثمن ؛ لأنها دراهم ، لم تبلغْ أنْ توزَنَ لقلَّتها ، وذلك أنهم كانوا لا يزنُونَ ما كان دون الأوقية ، وهي أربعون درهماً .

وقوله سبحانه : { وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزاهدين } : وصفٌ يترتب في إِخوة يوسف ، وفي الوُرَّاد ، ولكنَّه في إِخوة يوسف أرتَبُ ؛ إِذ حقيقة الزهْدِ في الشيء إِخراجُ حُبِّه من القَلْبِ ورَفْضُهُ من اليدِ ، وهذه كانَتْ حالَ إِخوة يوسُفٌ في يوسُفَ ، وأمَّا الورَّاد ، فإِنَّ تمسُّكَهم به وتَجْرَهُمْ يمانِعُ زُهْدَهم إِلا على تجوُّزٍ .

قال ابْن العربيِّ في «أحكامه » : { وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزاهدين } أي : إِخوته والواردة ، أَما إِخوته ؛ فلأنَّ مقصودهم زوالُ عَيْنِه ، وإما الواردة ، فلأنهم خافوا اشتراك أصحابهم معهم .

انتهى .