قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ } شَرَى بمعنى اشترى ، قال الشاعر : [ الطويل ]
3071 ولَوْ أنَّ هَذَا المَوْتَ يَقبَلُ فِذْيةً *** شَرَيْتُ أبَا زيْدٍ بمَا مَلكتْ يَدِي
وبمعنى : باع ؛ قال الشاعر : [ مجزوء الكامل ]
3072 وشَريْتُ بُرْداً ليْتَنِي *** مِنْ بعْدِ بُردٍ كُنْتُ هَامَهْ
فإن قلنا : المراد من الشِّراء نفس الشراءِ ، فالمعنى : أنَّ القوم اشتروه ، وكانوا فيه من الزَّاهدينَ ؛ لأنهم علموا بقرائن الأحوال أنَّ إخوة يوسف كذبُوا في قولهم : إنَّهُ عبدُ لنا ، وأيضاً عرفوا أنَّه ولدُ يعقوب ، فكرهوا أيضاً شراءه ؛ خوفاً من الله تعالى من ظهور تلك الواقعة ، إلاَّ أنَّهُم مع ذلك اشتروه بالآخة ؛ لأنُّهُم اشتروه بمثنٍ بخسٍ ، وطمعوا في بيعه بمثن عظيمٍ ، ويحتملُ أن يقال : إنهم اشتروه مع أنهم أظهرُوا من أنفسهم كونهم فيه من الزَّاهدين ، وغرضهم أن يتوصَّلُوا بذلك إلى تقلل الثَّمن ، ويحتمل أن يقال : إنَّ الإخوة لما قالوا : إنه عبدٌ أبق منا صار المشتري عديم الرغبة فيه .
قال مجاهدُ رحمه الله كانوا يقولون : لئلا يأبق .
وإن قلنا : إنَّ المراد من الشِّراء البيع ففي ذلك البائع قولان :
الأول : قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما إنَّ إخوة يوسف لمَّا طرحوه في الجبّ ، ورجعوا عادوا بعد ثلاثٍ يتعرَّفُونَ خبره ، فلمَّا لم يروه في الجبّ ، ورأوا آثار السَّيارة طلبوهم ، فلمَّا رأوا يوسف قالوا : : هذا عبدٌ لنا أبق منا فقالوا لهم : فبيعوه منَّا ، فباعوه منهم ، وإنَّما وجب حملُ الشِّراء على البيع ؛ لأن الضمير في قوله : " وشَرَوْهُ " وفي قوله : { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين } عائدٌ إلى شيءٍ واحدٍ ، وإذا كان كذلك فهم باعوه ؛ فوجب حملُ الشراء على البيع .
والثاني : أن بائع يوسف هم الَّذين اسْتَخْرجُوه من الجُبّ .
وقال محمد بن إسحاق : وربُّك أعلمُ أإخوته باعوه ، أم السيارة ؟ .
والبَخْسق : النَّاقصُ ، وهو في الأصل مصدرٌ ، وصف به مبالغة .
وقيل : هو بمعنى مفعولٍ ، و " دَراهِمَ " بدلٌ من " بِثَمَنٍ " ، و " فِيهِ " متعلق بما بعده ، واغتفر ذلك للاتِّساعِ في الظروف ، والجار ، أو بمحذوف وتقدم [ البقرة : 130 ] مثله .
اعلم أنه تعالى وصف ذلك الثمن بصفات ثلاثٍ :
إحداها : كونه بخساً ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريدُ حراماً ؛ لأنَّ ثمن الحُرَّ حرامٌ ، وقال : وكلٌّ بخس في كتابِ اللهِ نقصان إلاَّ هذا فإنهُ حرامٌ .
قال الواحدي : " سمي الحرامُ بخساً ؛ لأن ناقصُ البركة " .
وقال قتادة : بخس : ظلم ، والظُّلمُ نقصان ، يقال : ظلمهُ ، أي : نقصهُ وقال عكرمةُ والشعبيُّك قليل . وقيل : ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً وقيل : كانت الدَّراهمُ زيوفاً ناقصة العيارِ .
قال الواحديُّ : وعلى الأقوال كُلِّها ، فالبخسُ مصدرٌ وقع موصع الاسمِ ، والمعنى : بثمنٍ مبخُوسٍ .
وثانيها : قوله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } قيل : تعدُّ عدًّا ، ولا توزن إلا أنهم كانوا يزنون إذا بلغ الأوقية ، وهي أربعون ويعدُّون ما دونها . فقيل للقليل معدودٌ ، لأن الكثير لا يعدُّ لكثرته ، بل يوزن قال ابن عباسٍ ، وابنُ مسعود ، وقتادةٌ رضي الله عنهم : كانت عشرين درهماً ، فاقتسموها درهمين درهمين إلا يهوذا ، فإنَّه لم يأخذ شيئاً .
الثالث : أن الذين اشتروه كانوا فيه مِنَ الزَّاهدين ، وقد سبق توجيه هذه الأقوال .
وقال مجاهدٌ والسديُّ : اثنين وعشرين درهماً .
فإن قيل : إنَّهم لما ألقوه في الجبِّ حسداًن فأرادوا تضييعه عن أبييه ، فلمَ باعوه ؟ .
فالجواب : أنَّهم لعلَّهم خافوا أن تذكر السيارة أمره ، فيردوه إلى أبيه ، لأنَّه كان أقرب إليهم من مصر .
فإن قيل : هب أنَّهم أرادوا ببيعه أيضاً تبعيده عن أبيه ؛ فلمَ أحلَّ له أخذ ثمنه " .
فالجواب : أن الذي اشترى يوسف كان كافراً ، وأخذُ مالِ الكافرِ حلالٌ .
وثالثها : قوله : { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين } ومعنى الزُّهد : قلَّة الرغبة ، يقال زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه ، وأصله من القلَّة ، يقال : رجلٌ زهيدٌ ، إذا كان قليل الجِدةِ ، وفيه وجوه :
الأول : أنَّ إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام باعوه ؛ لأنهم كانوا فيه من الزَّاهدينَ
الثاني : أنَّ السيَّارة كانُوا فيه من الزَّاهدين ؛ لأنَّهم التَقطُوهُ ، والملتَقِطُ يتهاونُ ، ولا يباللاي بأي شيءٍ يباعُ ، أو لأنَّهُم خافوا أن يظهر المستحق ، فينزعه من يدهم ، فلا جرم باعوه بالأوكس من الأثمان .
والضمير في قوله : " فِيهِ " يحتمل أن يعود إلى يوسف ، ويحتمل أن يعود إلى الثَّمن البَخْسِ .
قال القرطبيُّ : " في الآية دليلٌ على شراءِ الشَّيء الخطيرِ بالثَّمنِ اليسير ، ويكونُ البيع لازماً " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.