النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

قوله عز وجل : { وشروه بثمن بخسٍ } معنى شروه أي باعوه ، ومنه قول ابن مفرغ الحميري{[1431]} .

وشريت برداً ليتني *** من بعدِ بُرْدٍ كنت هامه

واسم البيع والشراء يطلق على كل واحد من البائع والمشتري لأن كل واحد منهما بائع لما في يده مشتر لما في يد صاحبه .

وفي بائعه قولان :

أحدهما : أنهم إخوته باعوه على السيارة حين أخرجوه من الجب فادّعوه عبداً{[1432]} ، قاله ابن عباس والضحاك ومجاهد .

الثاني : أن السيارة باعوه عن ملك مصر ، قاله الحسن وقتادة .

{ بثمن بخس } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن البخس ها هنا الحرام ، قاله الضحاك ، قال ابن عطاء : لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها فكان ثمنه وإن جَلّ بخساً ، وما هو وإن باعه أعداؤه بأعجب منك في بيع نفسك بشهوةٍ ساعةٍ من معاصيك .

الثاني : أنه الظلم ، قاله قتادة .

الثالث : أنه القليل ، قاله مجاهد والشعبي .

{ دراهم معدودة } اختلف في قدرها على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه بيع بعشرين درهماً اقتسموها وكانوا عشرة فأخذ كل واحد منهم درهمين ، قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة وعطية والسدي .

الثاني : باثنين وعشرين درهماً ، كانوا أحد عشر فأخذ كل واحد درهمين ، قاله مجاهد .

الثالث : بأربعين درهما ، قاله عكرمة وابن إسحاق .

وكان السدي يقول : اشتروا بها خفافاً ونِعالاً .

وفي قوله تعالى : { دراهم معدودة } وجهان :

أحدهما : معدودة غير موزونة لزهدهم فيه .

الثاني : لأنها كانت أقل من أربعين درهماً ، وكانوا لا يَزِنُون أقل من أربعين درهماً ، لأن أقل الوزن عندهم كان الأوقية ، والأوقية أربعون درهماً .

{ وكانوا فيه من الزاهدين } وفي المعنيّ بهم قولان :

أحدهما : أنهم إخوة يوسف كانوا فيه من الزاهدين حين صنعوا به ما صنعوا .

الثاني : أن السيارة كانوا فيه من الزاهدين حين باعوه بما باعوه به .

وفي زهدهم فيه وجهان :

أحدهما : لعلمهم بأنه حرٌّ لا يبتاع .

الثاني : أنه كان عندهم عبداً فخافوا أن يظهر عليه مالكوه فيأخذوه .

وفيه وجه ثالث : أنهم كانوا في ثمنه من الزاهدين لاختبارهم له وعلمهم بفضله ، وقال عكرمة أعتق يوسف حين بيع .


[1431]:اسمه يزيد بن ربيعة بن مفرغ مثل مؤذن عاش بالبصرة زمن معاوية بن أبي سفيان وكان شريرا هجاء، وبرد اسم عبد كان له باعه ثم ندم على بيعه وبعد هذا البيت يقول: العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامه
[1432]:قيل أن يهوذا أخا يوسف رأي من بعيد أن يوسف أخرج من الجب فأخبر إخوته، فجاؤوا وباعوه من الواردة. وقيل بل عادوا بعد ثلاث إلى البئر يتعرفون الخبر فرأوا أثر السيارة فاتبعوهم وقالوا: هذا عبدنا أبق منا فباعوه منهم.