السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

{ وشروه } ، أي : باعوه إذ قد يطلق لفظ الشراء على البيع يقال : شريت الشيء بمعنى بعته وإنما حمل هذا الشراء على البيع ؛ لأنّ الضمير في { شروه } وفي { كانوا فيه من الزاهدين } يرجع إلى شيء واحد ، وذلك أنّ إخوته زهدوا فيه فباعوه ، وقيل : إنّ الضمير يعود إلى مالك بن ذعر وأصحابه ، وعلى هذا يكون لفظ الشراء على بابه .

وقال محمد بن إسحاق : ربك أعلم أَإِخوته باعوه أم السيارة ، واختلفوا في معنى قوله تعالى : { بثمن بخس } فقال الضحاك : ، أي : حرام ، لأنّ ثمن الحرّ حرام وسمي الحرام بخساً ؛ لأنه مبخوس البركة . وقال ابن مسعود : أي : زيوف ، وقال عكرمة : أي : بثمن قليل ، ويدل لهذا قوله تعالى : { دراهم معدودة } لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان أقل من أربعين درهما إنما كانوا يأخذون ما دونها عداً ، فإذا بلغتها وهي أوقية وزنوها ، واختلفوا في عدد تلك الدراهم فقال ابن عباس : كانت عشرين درهماً فاقتسموها درهمين درهمين ، وعلى هذا لم يأخذ أخوه بنيامين شقيقه منها شيئاً ، وقال مجاهد : كانت اثنتين وعشرين درهماً . وقال عكرمة : أربعين درهماً . { وكانوا } ، أي : إخوته { فيه } ، أي : يوسف { من الزاهدين } لأنهم لم يعلموا منزلته عند الله تعالى ، ومعنى الزهد قلة الرغبة يقال : زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه ، وأصله القلة ، يقال : رجل زهيد إذا كان قليل الطمع ، وقيل : كانوا في الثمن من الزاهدين ؛ لأنهم لم يكن قصدهم تحصيل الثمن ، وإنما كان قصدهم تبعيد يوسف عن أبيه . وقيل : الضمير في { كانوا } للسيارة ؛ لأنهم التقطوه ، والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه مستعجل في بيعه لا جرم باعوه بأوكس الأثمان .

روي في الأخبار أنّ مالك بن ذعر انطلق هو وأصحابه بيوسف وتبعهم إخوته يقولون : استوثقوا منه ؛ لأنه آبق فذهبوا به حتى أتوا مصر وعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير أو اطفير وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر ، والملك يومئذ الريان بن الوليد رجل من العمالقة ، وقد آمن بيوسف ومات في حياة يوسف فملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى ، واشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة ، واستوزره ريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة وآتاه الله تعالى العلم والحكمة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة ، وقيل : كان الملك في أيامه فرعون موسى عاش أربعمائة سنة بدليل قوله تعالى : { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } [ غافر ، 34 ] وقيل : فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف ، وقيل : اشتراه العزيز بعشرين ديناراً وزوجي نعل وثوبين أبيضين .