المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

و { شروه } - هنا - بمعنى باعوه ، وقد يقال : شرى ، بمعنى اشترى ، ومن الأول قول يزيد بن مفرغ الحميري : [ مجزوء الكامل ]

وشريتُ برداً ليتني*** من بعد بردٍ كنتُ هامَهْ{[6614]}

برد : اسم غلام له ندم على بيعه ، والضمير يحتمل الوجهين المتقدمين ؛ و { البخس } مصدر وصف به «الثمن » وهو بمعنى النقص - وهذا أشهر معانيه - فكأنه القليل الناقص ، وهو قول الشعبي - وقال قتادة : «البخس » هنا بمعنى الظلم ، ورجحه الزجاج من حيث الحر لا يحل بيعه ، وقال الضحاك : وهو بمعنى الحرام ، وهذا أيضاً بمعنى لا يحل بيعه .

وقوله : { دراهم معدودة } عبارة عن قلة الثمن لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها ، وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما دون الأوقية ، وهي أربعون درهماً ، واختلف في مبلغ ثمن يوسف عليه السلام : فقيل باعوه بعشرة دراهم ، وقال ابن مسعود : بعشرين ، وقال مجاهد : باثنين وعشرين أخذ منها إخوته درهمين درهمين {[6615]} وقال عكرمة : بأربعين درهماً دفعت ناقصة خفافاً ، فهذا كان بخسها .

وقوله : { وكانوا فيه من الزاهدين } وصف يترتب في «ورّاد » الماء ، أي كانوا لا يعرفون قدره ، فهم لذلك قليل اغتباطهم به ، لكنه أرتب في إخوة يوسف إذ حقيقة الزهد في الشيء إخراج حبه من القلب ورفضه من اليد ، وهذه كانت حال إخوة يوسف في يوسف ، وأما الورّاد فتمسكهم به وتجرهم يمانع زهدهم إلا على تجوز .

وقوله { فيه } ليست بصلة ل { الزاهدين } - قاله الزجاج وفيه نظر لأنه يقتضي وصفهم بالزهد على الإطلاق وليس قصد الآية هذا ، بل قصدها الزهد الخاص في يوسف ، والظروف يجوز فيها من التقديم ما لا يجوز في سائر الصلات ، وقد تقدم القول في عود ضمير الجماعة الذي في قوله : { وشروه } .


[6614]:البيت من شواهد أبي عبيدة في "مجاز القرآن" على أن شرى بمعنى باع، وقد رواه في تفسير الطبري: "من قبل برد" وجاء في "اللسان": وشاهد شريت بمعنى بعت قول يزيد بن مفرغ وقد باع غلامه بردا فندم بعد بيعه: شريت بردا ولولا ما تكنفني من الحوادث ما فارقته أبدا. ومثل هذا البيت قول الشماخ في رجل باع قوسه لرجل آخر: فلما شراها فاضت العين عبرة وفي الصدر حزاز من اللوم حامز يريد: فلما باع قوسه. ومعنى حامز: ممض محرق.
[6615]:أي لكل واحد منهم درهمان، فيكون المجموع اثنين وعشرين درهما.