المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

4- إن ترجعا إلى الله نادمتين فقد فعلتما ما يوجب التوبة . لأنه قد مالت قلوبكما عما يحبه رسول الله من حفظ سره ، وإن تتعاونا عليه بما يسوؤه ، فإن الله هو ناصره وجبريل والمتصفون بالصلاح من المؤمنين والملائكة - بعد نصرة الله - مظاهرون له ومعينون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

[ وقوله : ] { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الخطاب للزوجتين الكريمتين من أزواجه صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، كانتا سببًا لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه ، فعرض الله عليهما التوبة ، وعاتبهما على ذلك ، وأخبرهما أن قلوبهما{[1157]}  قد صغت أي : مالت وانحرفت عما ينبغي لهن ، من الورع والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، واحترامه ، وأن لا يشققن عليه ، { وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي : تعاونا{[1158]}  على ما يشق عليه ، ويستمر هذا الأمر منكن ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أي : الجميع أعوان للرسول ، مظاهرون ، ومن كان هؤلاء أعوانه{[1159]}  فهو المنصور ، وغيره ممن يناوئه مخذول{[1160]}  وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين ، حيث جعل الباري نفسه [ الكريمة ] ، وخواص خلقه ، أعوانًا لهذا الرسول الكريم .

وهذا فيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى ،


[1157]:- في ب: أن قلوبكما.
[1158]:- في ب: تتعاونا.
[1159]:- في ب: أنصاره.
[1160]:- في ب: وغيره أن يناوئه فهو مخذول.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

ثم وجه - سبحانه - بعد ذلك خطابه إلى حفصة وعائشة ، فأمرهما بالتوبة عما صدر منهما .

فقال : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .

ولفظ { صَغَتْ } بمعنى مالت وانحرفت عن الواجب عليهما . يقال صغا فلان يصغو ويصغى صغوا ، إذا مال نحو شىء معين . ويقال : صغت : الشمس ، إذا مالت نحو الغروب ، ومنه قوله - تعالى - : { ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن تتوبا إلى الله ، فلتوبتكما موجب أو سبب ، فقد مالت قلوبكما عن الحق ، وانحرفت عما يجب عليكما نحو الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كتمان لسره ، ومن حرص على راحته ، ومن احترام لكل تصرف من تصرفاته .

. . وجاء الخطاب لهما على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، مبالغة فى المعاتبة ، فإن المبالغ فى ذلك يوجه الخطاب إلى من يريد معاتبته مباشرة .

وقال - سبحانه - { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } بصيغة الجمع للقلوب ، ولم يقل قلبا كما بالتثنية ، لكراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة ، مع ظهور المراد ، وأمن اللبس .

ثم ساق - سبحانه - ما هو أشد فى التحذير والتأديب فقال : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .

وقوله { تَظَاهَرَا } أصله تتظاهرا فحذفت إحدى التاءين تخفيفا . والمراد بالتظاهر : التعاون والتآزر ، يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه على ما يريده ، وأصله من الظهر ، لأن من يعين غيره فكأنه يشد ظهره ، ويقوى أمره

قال - تعالى - : { إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم مِّنَ المشركين ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ } وجواب الشرط - أيضا - محذوف - أى : وإن تتعاونا عليه بما يزعجه ، ويغضبه ، من الإفراط فى الغيرة ، وإفشاء سره . فلا يعدم ناصرا ولا معينا بل سيجد الناصر الذى ينصره عليكما ، فإن الله - تعالى - { هُوَ مَوْلاَهُ } أى : ناصره ومعينه { وَجِبْرِيلُ } كذلك ناصره ومعينه عليكما .

{ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } أى : وكذلك الصالحون من المؤمنين من أنصاره وأعوانه .

{ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أى : والملائكة بعد نصر الله - تعالى - له ، وبعد نصر جبريل وصالح المؤمنين له ، مؤيدونه ومناصرونه وواقفون فى صفه ضدكما .

وفى هذه الآية الكريمة أقوى ألوان النصر والتأييد للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأسمى ما يتصوره الإنسان من تكريم الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن غيرته - عز وجل - عليه ، ومن دفاعه عنه - صلى الله عليه وسلم - .

وفيها تعريض بأن من يحاول إغضاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن لا يكون من صالح المؤمنين .

وقوله : { وَجِبْرِيلُ } مبتدأ ، وقوله : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ } معطوف عليه .

وقوله : { بَعْدَ ذَلِكَ } متعلق بقوله { ظَهِيرٌ } الذى هو خبر عن الجميع .

وقد جاء بلفظ المفرد ، لأن صيغة فعيل يستوى فيها الواحد وغيره . فكأنه - تعالى - قال : الجمع بعد ذلك مظاهرون له ، واختير الإفراد للإشعار بأنهم جميعا كالشىء الواحد فى تأييده ونصرته ، وبأنهم يد واحدة على من يعاديه .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ } تعظيم للملائكة ومظاهرتهم ، وقد تقدمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين ، ونصرة الله - تعالى - أعظم وأعظم ؟

قلت : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله ، فكأنه فضل نصرته - تعالى - بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته ، لفضلهم . . " .

وخص جبريل بالذكر مع أنه من الملائكة ، للتنويه بمزيد فضله ، فهو أمين الوحى ، والمبلغ عن الله - تعالى - إلى رسله .

هذا ، ومما يدل على أن الخطاب فى قوله - تعالى - : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله } ، لحفصة وعائشة ، ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أنه قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله - تعالى - فيهما : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .

فلما كان ببعض الطريق . . . قلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله تعالى - فيهما : { إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .

فقال عمر : واعجبا لك يا ابن عباس . . . هما حفصة وعائشة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِن تَتُوبَآ إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : إن تتوبا إلى الله أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتنابه جاريته ، وتحريمها على نفسه ، أو تحريم ما كان له حلالاً مما حرّمه على نفسه بسبب حفصة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول : زاغت قلوبكما ، يقول : قد أثمت قلوبكما .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مجاهد قال : كنا نرى أن قوله : فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما شيء هين ، حتى سمعت قراءة ابن مسعود : «إن تَتُوبا إلى اللّهُ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما : أي مالت قلوبكما .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما مالت قلوبكما .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول : زاغت .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان صٍغَتْ قُلُوبَكُما قال : زاغت قلوبكما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، قال الله عزّ وجلّ : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال : سرهما أن يجتنب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، وذلك لهما موافق صَغَتْ قُلُوبَكُما إلى أن سرّهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقوله : وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره للتي أسّر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه ، والتي أفشت إليها حديثه ، وهما عائشة وحفصة رضي الله عنهما . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اللتين قال الله جلّ ثناؤه : إنْ تَتْوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال : فحجّ عمر ، وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر ، وعدلت معه بإداوة ، ثم أتاني فسكبت على يده وتوضأ فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله لهما : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال عمر : واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري : وكره والله ما سأله ولم يكتم ، قال : هي حفصة وعائشة قال : ثم أخذ يسوق الحديث ، فقال : كنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة ، ثم ذكر الحديث بطوله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن أشهب ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن عليّ بن حسين ، عن ابن عباس ، أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المتطاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عائشة وحفصة .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس يقول : مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين ، فما أجد له موضعا أسأله فيه حتى خرج حاجا ، وصحبته حتى إذا كان بمرّ الظّهران ذهب لحاجته ، وقال : أدركني بإداوة من ماء فلما قضى حاجته ورجع ، أتيته بالإداوة أصبها عليه ، فرأيت موضعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فما قضيت كلامي حتى قال : عائشة وحفصة رضي الله عنهما .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا عمر بن يونس ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثنا سماك أبو زميل ، قال : ثني عبد الله بن عباس ، قال : ثني عمر بن الخطاب ، قال : لما اعتزل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت : يا رسول الله ما شقّ عليك من شأن النساء ، فلئن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته ، وجبرائيل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر معك ، وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام ، إلا رجوت أن يكون الله مصدّق قولي ، فنزلت هذه الاَية ، آية التخيير : عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ ، وَإنْ تَظاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللّهَ هُوَ مُوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ . . . الاَية ، وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإنْ تَظَاهَرَ عَلَيْهِ يقول : على معصية النبيّ صلى الله عليه وسلم وأذاه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال ابن عباس لعمر : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أمر وإني لأهابك ، قال : لا تهبني ، فقال : من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : عائشة وحفصة .

وقوله : فإنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول : فإن الله هو وليه وناصره ، وصالح المؤمنين ، وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره .

وقيل : عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع : أبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن الحسن الأزدي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن عبد الوهاب ، عن مجاهد ، في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : أبو بكر وعمر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، في قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : خيار المؤمنين أبو بكر الصدّيق وعمر .

حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، قال : حدثنا الفضل بن موسى السيناني من قرية بمرو يقال لها سينان عن عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : أبو بكر وعمر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول : خيار المؤمنين .

وقال آخرون : عُنِي بصالح المؤمنين : الأنبياء صلوات الله عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : هم الأنبياء .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : هم الأنبياء .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال الأنبياء .

والصواب من القول في ذلك عندي : أن قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ وإن كان في لفظ واحد ، فإنه بمعنى الجميع ، وهو بمعنى قوله إنّ الإنْسانَ لَفِي خَسْر فالإنسان وإن كان في لفظ واحد ، فإنه بمعنى الجميع ، وهو نظير قول الرجل : لا تَقريَنّ إلا قارىء القرآن ، يقال : قارىء القرآن ، وإن كان في اللفظ واحدا ، فمعناه الجمع ، لأنه قد أذن لكلّ قارىء القرآن أن يقريه ، واحدا كان أو جماعة .

وقوله : وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِيرٌ يقول : والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعوان على من آذاه ، وأراد مساءته . والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع . ولو أخرج بلفظ الجميع لقيل : والملائكة بعد ذلك ظهراء . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : وبدأ بصالح المؤمنين ها هنا قبل الملائكة ، قال : والمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلكَ ظَهِيرٌ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

إن تتوبا إلى الله خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة فقد صغت قلوبكما فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه وإن تظاهرا عليه وإن تتظاهرا عليه بما يسؤوه وقرأ الكوفيون بالتخفيف فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين فإن الله ناصره وجبريل رئيس الكروبيين قرينه ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه والملائكة بعد ذلك ظهير متظاهرون وتخصيص جبريل عليه السلام لتعظيمه والمراد بالصالح الجنس ولذلك عمم بالإضافة وبقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره الله تعالى به .