فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا } الخطاب لعائشة وحفصة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما ، وجواب الشرط محذوف أي أن تتوبا { إلى الله } فهو الواجب ودل على المحذوف قوله : { فقد صغت قلوبكما } أي زاغت وأثمت ومالت عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه ، وكراهة ما يكرهه ، ووجد منكما ما يوجب التوبة ، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو إفشاء الحديث ، وقيل : المعنى فقد مالت قلوبكما إلى التوبة ، وقال : { قلوبكما } ولم يقل قلباكما لأن العرب تستكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد ، ومجموع المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد من تمام العلقة والنسبة بينهما .

{ وإن تظاهرا عليه } قرأ الجمهور بحذف إحدى التاءين ، وقرئ على الأصل ، وقرئ تظهر بتشديد الظاء والهاء بدون ألف ، وهي سبعية والمراد بالتظاهر التعاضد والتعاون ، والمعنى وإن تعاضدا وتعاونا بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره وقيل : كان التظاهر بين عائشة وحفصة في التحكم على النبي صلى الله عليه وسلم في النفقة .

{ فإن الله هو } ضمير متصل منفصل { مولاه } تعليل لجواب الشرط المحذوف تقديره فلا يعدم ناصرا ولا معينا ، فإن الله يتولى نصره بذاته { و } كذلك { جبريل } أيضا وليه { وصالح المؤمنين } أي من صلح من عباده المؤمنين وقيل : من بريء من النفاق ، وقيل : الصحابة ، وقيل : واحد أريد به الجمع وقيل : أصله صالحو المؤمنين فحذفت الواو من الحظ موافقة للفظ قال بريدة : أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وعن ابن مسعود مثله .

" وعن أبي أمامة مرفوعا مثله " أخرجه الحاكم ،

" وعن علي بسند ضعيف قال : هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه " .

" وعن أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب " أخرجه ابن مردويه .

{ والملائكة } على تكاثر عددهم { بعد ذلك } أي بعد نصر الله والمذكورين { ظهير } أي أعوان يظاهرونه ، قال أبو علي الفارسي : قد جاء فعيل للكثرة كقوله : { ولا يسأل حميم حميما } ، قال الواحدي : وهذا من الواحد الذي يؤدي عن معنى الجمع كقوله : { وحسن أولئك رفيقا } وقد تقرر في علم النحو أن مثل جريح وصبور وظهير يوصف به الواحد والمثنى والجمع ، وإنما عدل عن عطف المفرد إلى عطف الجملة ليؤذن بالفرق فإن نصرة الله هي النصرة في الحقيقة ، وأنه تعالى إنما ضم إليها المظاهرة بجبريل وبصالح المؤمنين وبالملائكة للتتميم ، تطبيبا لقلوب المؤمنين ، وتوقيرا للنبي الرسول وإظهارا للآيات البينات ، كما في يوم بدر وحنين . قال تعالى : { وما جعله الله إلا بشرى لكم ، ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله } .