معاني القرآن للفراء - الفراء  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

وقوله : { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ } .

يعنى : عائشة وحفصة ، وذلك : أن عائشة قالت : يا رسول الله ، أما يوم غيري فتتمه ، وأما يومي فتفعل فيه ما فعلت ؟ فنزل : إن تتوبا إلى الله من تعاونكما على النبي صلى الله عليه وسلم { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما } زاغت ومالت { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } تعاونا عليه ، قرأها عاصم وَالأعمش بالتخفيف ، وقرأها أهل الحجاز : «تظَّاهرا » بالتشديد { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ } : وليه عليكما { وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } مثلُ أبي بكر وعمر الذين ليس فيهم نفاق ، ثم قال : { وَالْمَلائكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } بعد أولئك ، يريد أعوان ، ولم يقل : ظهراء ، ولو قال قائل : إن ظهيراً لجبريل ، ولصالح المؤمنين ، والملائكة كان صوابا ، ولكنه حسن أن يجعل الظهير للملائكة خاصة ، لقوله : ( والملائكة ) بعد نصرة هؤلاء ظهير .

وأما قوله : { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } فإنه موحد في مذهب الجميع ، كما تقول : لا يأتيني إلا سائس الحرب ، فمن كان ذا سياسة للحرب فقد أمر بالمجيء واحداً كان أو أكثر منه ، ومثله : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما } ، هذا عامٌّ [ 201/ب ] وليس بواحد ولا اثنين ، وكذلك قوله : { والَّلذانِ يأْتِيَانِها مِنكُمْ فَآذُوهما } ، وكذلك : { إنّ الإِنْسَانَ لَفي خُسْرٍ } ، و { إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } ، في كثير من القرآن يؤدى معنى الواحد عن الجمع .