تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } في هذه الآية دلالة أن الحديث الذي أفشي كان بين زوجتين لقوله : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } كان أسر النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما ، ومنعها أن تفشي إلى الأخرى ، فأفشت .

لكنا لا نعلم أن ذلك الحديث كان [ ماذا ؟ لكنه كان ]{[21572]} منهما ما يجوّز أن تعاتبا ، وتدعيا إلى التوبة لقوله : { إن تتوبا إلى الله } وإن خفي علينا .

ثم إن عرفنا أن الله جعل عقوبتهن وتأديبهن أشد من العقوبة على غيرهن بقوله : { من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } [ الأحزاب : 30 ] فيجوز أن يندبن إلى التوبة بأدنى زلة ، حقها التجاوز عن غيرهن .

ثم قوله تعالى : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } فجائز أن يكون قوله : { إن } زيادة في الكلام ، وحقه الحذف ، فيكون معناه : توبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، ويوقف عليه ، ثم يبدأ بقوله : { وإن تظاهرا عليه } .

وجائز أن يكون حقه الإثبات ، فلا يكون حرف { إن }زيادة ، ويكون معناه : إن تتوبا إلى الله ، وإلا { فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } فيكون الجزاء فيه مضمرا .

وجائز أن يكون جزاء صنيعهن أن يطلقهن ، فكأنه قال : إن تتوبا إلى الله وإلا طلقكن ، فيكون في هذا أنه حبّب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهن حتى اشتد عليهن الطلاق ، وخرج الطلاق مخرج العقوبة لهن على صنيعهن ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } أي مالت عن الحق الذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليكما ، وحق الرسول صلى الله عليه وسلم حق التعظيم ، يرد فيه العتاب بأدنى تقصير .

وقوله تعالى : { وإن تظاهرا عليه } هذا في الظاهر معاتبة ، فينبغي أن يذكر على المخاطبة ، فيقال : إن تظاهرتما عليه كما قال تعالى : { إن تتوبا إلى الله } قيل : جائز أن يكون معنى قوله : { إن تتوبا إلى الله } تابتا ، ورجعتا على إرادة المعاتبة ، وإن كان اللفظ لفظ المخاطبة .

ولكن الصحيح أن قوله : { وإن تظاهرا عليه } على المخاطبة ، معناه : وإن تتظاهرا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فإن الله هو مولاه } حق هذا أن نقف عليه ، ثم نقول : { وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا } حتى لا يتوهم أن غير الله مولاه .

ثم ذكر هذا أبلغ{[21573]} في التهويل ، وإلا كان{[21574]} من هؤلاء المذكورين يكفي لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك في ذكر عقوبتهن ، إذا وجد منهن الخلاف بقوله : { يضاعف لها العذاب ضعفين } .

والأصل أن المبالغة في التأديب مما يعين المؤدب على حفظ الحدود . وكذلك المجاوزة في حد العقوبة معونة له في تأديب النفس حتى يملك حفظ نفسه عما تدعو إليه نفسه .

وقوله تعالى : { وصالح المؤمنين } قيل : أبو بكر وعمر رضي الله عنه وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة دخل عليها عمر رضي الله عنه فقال : لو علم الله تعالى في آل عمر خيرا ما طلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام /579 – ب / على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بمراجعتها ، وذكر أنها صوّامة قوّامة . فجائز أن تكون حفصة رضي الله عنها تصوم النهار ، وتقوم الليل في غير نوبتها ، فلا يعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه جبريل عليه السلام على ذلك .

وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

{ وصالح المؤمنين } أبو بكر وعمر رضي الله عنه وقيل : هم الأنبياء والرسل رضي الله عنهم .

وذكر عن الحسن أنه قال : { وصالح المؤمنين } من لم يسر نفاقا ، ولا أظهر فسقا ، ثم خص من المؤمنين الصالحين منهم ، ولم يعم جملة المؤمنين .

فهذا ، والله أعلم ، لأنه لو ذكر المؤمنين على الإجمال لدخلت فيه الزوجتان اللتان تظاهرتا ، لأن إصغاء القلب ، لا يخرجهما عن أن تكونا من جملة المؤمنين ، ولأنه ذكر هذا في موضع المعونة في أمر الدين { وصالح المؤمنين } هم الذين يقومون بالمعونات في أمر الدين .


[21572]:من م,ساقطة من الأصل.
[21573]:في الأصل وم: إبلاغ
[21574]:في الأصل وم: قالوا