البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله } : انتقال من غيبة إلى خطاب ، ويسمى الالتفات والخطاب لحفصة وعائشة .

{ فقد صغت } : مالت عن الصواب ، وفي حرف عبد الله : راغت ، وأتى بالجمع في قوله : { قلوبكما } ، وحسن ذلك إضافته إلى مثنى ، وهو ضميراهما ، والجمع في مثل هذا أكثر استعمالاً من المثنى ، والتثنية دون الجمع ، كما قال الشاعر :

فتخالسا نفسيهما بنوافذ *** كنوافذ العبط التي لا ترفع

وهذا كان القياس ، وذلك أن يعبر بالمثنى عن المثنى ، لكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع ، لأن التثنية جمع في المعنى ، والإفراد لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر ، كقوله :

حمامة بطن الواديين ترنمي . . .

يريد : بطني .

وغلط ابن مالك فقال في كتاب التسهيل : ونختار لفظ الإفراد على لفظ التثنية .

وقرأ الجمهور : تظاهرا بشد الظاء ، وأصله تتظاهرا ، وأدغمت التاء في الظاء ، وبالأصل قرأ عكرمة ، وبتخفيف الظاء قرأ أبو رجاء والحسن وطلحة وعاصم ونافع في رواية ، وبشد الظاء والهاء دون ألف قرأ أبو عمرو في رواية ، والمعنى : وأن تتعاونا عليه في إفشاء سره والإفراط في الغيرة ، { فإن الله هو مولاه } : أي مظاهره ومعينه ، والأحسن الوقف على قوله : { مولاه } .

ويكون { وجبريل } مبتدأ ، وما بعده معطوف عليه ، والخبر { ظهير } .

فيكون ابتداء الجملة بجبريل ، وهو أمين وحي الله واختتامه بالملائكة .

وبدىء بجبريل ، وأفرد بالذكر تعظيماً له وإظهاراً لمكانته عند الله .

ويكون قد ذكر مرتين ، مرة بالنص ومرة في العموم .

واكتنف صالح المؤمنين جبريل تشريفاً لهم واعتناء بهم ، إذ جعلهم بين الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون .

فعلى هذا جبريل داخل في الظهراء لا في الولاية ، ويختص الرسول بأن الله هو مولاه .

وجوزوا أن يكون { وجبريل وصالح المؤمنين } عطفاً على اسم الله ، فيدخلان في الولاية ، ويكون { والملائكة } مبتدأ ، والخبر { ظهير } ، فيكون جبريل داخلاً في الولاية بالنص ، وفي الظهراء بالعموم ، والظاهر عموم وصالح المؤمنين فيشمل كل صالح .

وقال قتادة والعلاء بن العلاء بن زيد : هم الأنبياء ، وتكون مظاهرتهم له كونهم قدوة ، فهم ظهراء بهذا المعنى .

وقال عكرمة والضحاك وابن جبير ومجاهد : المراد أبو بكر وعمر ، وزاد مجاهد : وعلي بن أبي طالب .

وقيل : الصحابة .

وقيل : الخلفاء .

وعن ابن جبير : من برىء من النفاق ، وصالح يحتمل أن يراد به الجمع ، وإن كان مفرداً فيكون كالسامر في قوله : { مستكبرين به سامراً } أي سماراً .

ويحتمل أن يكون جمعاً حذفت منه الواو خطأ لحذفها لفظاً ، كقوله : { سندع الزبانية } وأفرد الظهير لأن المراد فوج ظهير ، وكثيراً ما يأتي فعيل نحو : هذا للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ المفرد ، كأنهم في الظاهرة يد واحدة على من يعاديه ، فما قد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه ، وذلك إشارة إلى تظاهرهما ، أو إلى الولاية .

4