فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الخطاب لعائشة وحفصة : أي إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التوبة ، ومعنى { صَغَتْ } : عدلت ومالت عن الحقّ ، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو إفشاء الحديث . وقيل المعنى : إن تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما إلى التوبة ، وقال : { قلوبكما } ولم يقل «قلباكما » ، لأن العرب تستكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي تتظاهرا ، قرأ الجمهور ( تظاهرا ) بحذف إحدى التاءين تخفيفاً . وقرأ عكرمة : ( تتظاهرا ) على الأصل . وقرأ الحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في رواية عنهما : ( تَظَّهَّرَا ) بتشديد الظاء والهاء بدون ألف ، والمراد بالتظاهر التعاضد والتعاون ، والمعنى : وإن تعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سرّه { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مولاه وَجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِينَ } أي فإن الله يتولى نصره ، وكذلك جبريل ومن صلح من عباده المؤمنين ، فلن يعدم ناصراً ينصره { وَالْمَلَاِئكَةُ بَعْدَ ذلك } أي بعد نصر الله له ونصر جبريل وصالح المؤمنين { ظَهِير } أي أعوان يظاهرونه ، والملائكة مبتدأ وخبره ظهير . قال أبو عليّ الفارسي : قد جاء فعيل للكثرة كقوله : { وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيماً } [ المعارج : 10 ] قال الواحدي : وهذا من الواحد الذي يؤدّي عن الجمع كقوله : { وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] وقد تقرّر في علم النحو أن مثل جريح وصبور وظهير يوصف به الواحد والمثنى والجمع . وقيل : كان التظاهر بين عائشة وحفصة في التحكم على النبيّ صلى الله عليه وسلم في النفقة .

/خ5