{ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ( 4 ) }
التفات من الغيبة إلى الخطاب-ففي الآية الكريمة السابقة { . . إلى بعض أزواجه . . . } { فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا . . . }- يعاتب المولى جل ثناؤه زوجتي النبي اللتين أغضبتاه ، ويعلمهما أنه سبحانه غفار لمن تاب ، فإن تبتما إلى الله تقبل توبتكما فقد مالت عن الأليق قلوبكما بحملكما النبي على أمر لا يحبه ، وإن تتعاونا على ما يسوء رسولنا فإني أول نصير له ، وجبريل والمؤمنون الصالحون والملائكة بعد نصرتي له كلهم ظهير معين ؛ [ فكأنه قيل : فإن تظاهرا عليه لا يضر ذلك في أمره فإن الله تعالى هو مولاه وناصره في أمر دينه وسائر شؤونه على كل من يتصدى لما يكرهه { وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك } مظاهرون له ومعينون إياه كذلك . . . ]{[7249]} .
في صحيح مسلم عن ابن عباس مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية{[7250]} ، فما أستطيع أن أسأله هيبة له{[7251]} ، حتى خرج حاجا فخرجت معه ، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له ، فوقفت حتى فرغ ، ثم سرت معه فقلت : يا أمير المؤمنين ! من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ؟ فقال : تلك حفصة وعائشة . قال فقلت له : والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك . قال فلا تفعل ، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه ، فإن كنت أعلمه أخبرتك .
وفيه عن ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه . قال : دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون{[7252]} بالحصى ويقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه- وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب- فقال عمر : فقلت لأعلمن ذلك اليوم . قال فدخلت على عائشة فقلت : يا ابنة أبي بكر ، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالت مالي ومالك يا بن الخطاب ! عليك بعيبتك{[7253]} ! قال فدخلت على حفصة بنت عمر فقت لها : يا حفصة ، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبكت أشد البكاء ، فقلت لها : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت هو في خزانته في المشربة{[7254]} . فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله قاعدا على أسكفة المشربة{[7255]} مدل رجليه على نقير من خشب ، وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر ، فناديت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا . ثم رفعت صوتي فقلت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة ، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ، ورفعت صوتي فأومأ إلي أن رقه{[7256]} ؛ فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير ، فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره ؛ وإذا الحصير قد أثر في جنبه فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بقبضة من شعير نحو الصاع{[7257]} ، ومثلها قرظا{[7258]} في ناحية الغرفة ؛ وإذا أفيق{[7259]} ؛ معلق- قال- فابتدرت عيناي . قال : ( ما يبكيك يا ابن الخطاب ) ؟ قلت : يا نبي الله ، ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزانتك لا أرى فيها : إلا ما أرى ! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وصفوته ، وهذه خزانتك ! فقال : ( يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ) ؟ قلت : بلى . قال : ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت يا رسول الله ، ما يشق عليك من شأن النساء ؛ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك . وقلما تكلمت- وأحمد الله- بكلام إلا رجوت أن يكون الله عز وجل يصدق قول الذي أقول ، ونزلت هذه الآية{[7260]} ، آية التخيير { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن . . } ، { . . . وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا } وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يا رسول الله أطلقتهن ؟ قال : " لا " قلت : يا رسول الله ، إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن ؟ قال : " نعم إن شئت " . فلم أزل أحدثه حتى تحسر{[7261]} الغضب عن وجهه ، وحتى كشر{[7262]} فضحك ، وكان من أحسن الناس ثغرا . ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلت ؛ فنزلت أتشبث بالجذع ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده . فقلت : يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعا وعشرين قال : ( إن الشهر يكون تسعا وعشرين ){[7263]} فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه . ونزلت هذه الآية : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم . . . }{[7264]} فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر ؛ وأنزل الله آية التخير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.