بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

قوله تعالى : { إِن تَتُوبَا إِلَى الله } يعني : عائشة وحفصة ، { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } يعني : مالت قلوبكما عن الحق . وذكر عن الفراء أنه قال : معناه إن لا تتوبا إلى الله ، { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } عن الحق ، ويقال : فيه مضمر ، ومعناه : إن تتوبا إلى الله يقبل الله توبتكما ، ويقال معناه إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما يعني : مالت إلى الحق . وروى الزهري ، عن عبد الله بن عباس قال : كنت مع عمر رضي الله عنه حين حج ، فلما كنا في بعض الطريق ، نزل في موضع ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان اللتان قال الله تعالى : { إِن تَتُوبَا إِلَى الله } ؟ فقال عمر رضي الله عنه واعجبا لك يا ابن عباس . قال الزهري : كأنه كره ما سأله عنه ، ولم يكتمه . قال : هي حفصة وعائشة رضي الله عنهما ثم قال : كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفقن نساؤنا يتعلمن من نسائهم . فغضبت يوماً على امرأتي ، فإذا هي تراجعني . فأنكرت أن تراجعني ، فقالت ما تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، فدخل على حفصة ، فذكرت لها ، فقالت : نعم . فقلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله ؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تسأليه شيئاً ، واسأليني ما بدا لك .

قال : كان لي جار من الأنصار يأتيني بخبر الوحي ، وأتاه بمثل ذلك . قال : فأتاني يوماً فناداني ، فخرجت إليه ، فقال : حدث أمر عظيم . فقلت : ماذا ؟ قال : طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ، فقلت : خابت حفصة وخسرت . فدخلت على حفصة وهي تبكي ، فقلت : أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : لا أدري ، هو ذا معتزلاً في هذه المشربة .

فأتيته ، فدخلت فسلمت عليه ، فإذا هو متكئ على رمل حصير . قد أثر في جنبه ، فقلت : أطلقت نساءك يا رسول الله ؟ قال : لا . فقلت : الله أكبر ، لو رأيتنا يا رسول الله ، وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أقسم أن لا يدخل شهراً عليهن ، حتى نزل : { يا أيها النبي لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ } إلى قوله تعالى : { إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } .

ثم قال : { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } يعني : تعاونا على أذاه ومعصيته ، فيكون مثلكما كمثل امرأة نوح وامرأة لوط ، تعملان عملاً تؤذيان بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي { تظاهر } بالتخفيف ، وقرأ نافع وأبو عمرو بالتشديد ، وكذلك ابن كثير وابن عامر في إحدى الروايتين ، لأن أصله تتظاهر . { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مولاه } يعني : وليه وناصره . { وَجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِينَ } يعني : أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وأصحابه رضي الله عنهم قال : حدثنا الفقيه ابن جعفر قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن حمدان قال : حدثنا أحمد بن جرير قال : حدثنا سعيد بن هشام قال : حدثنا هشام بن عبد الملك ، عن محمد بن أبان ، عن عبد الله بن عثمان ، عن عكرمة في قوله : { وصالح الْمُؤْمِنِينَ } قال أبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما قال عبد الله : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، قال : صدق عكرمة . ويقال : { صالح المؤمنين } يعني : خيار أصحابه . ثم قال : { وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذلك ظَهِيرٌ } يعني : الملائكة أيضاً أنصار النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يعني : مع ذلك أعوان النبي صلى الله عليه وسلم .