الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } أي زاغت ومالت واستوجبتما التوبة .

وقال ابن زيد : مالت قلوبهما بأن سرّهما ان يجتنب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وسلمّ ) جاريته ، وذلك لهما موافق فسرّهما ما كره رسول اللّه .

أخبرنا أَبُو سعيد محمد بن عبد اللّه بن حمدون قراءة عليه ، أخبرنا أَبُو حامد أحمد بن محمد بن الحسن ، حدّثنا محمد بن يحيى ، حدّثنا عبد الرّزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثور عن ابن عباس قال : لم أزل حريصاً أنْ أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج رسول اللّه اللّتين قال اللّه تعالى : { إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } حتى حج عمر وحججت معه ، فلمّا كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلتُ معه بالأداوة فتبرّد ثم أتاني فسكبت على يديه ، فتوضّأ فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم اللّتان قال اللّه تعالى { إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } . فقال عمر : واعجباً لك يا ابن عبّاس .

قال الزّهري : كره واللّه ما سأله ولم يكتمه ثمّ قال : هي حفصة وعائشة ، ثمّ أخذ يسوق الحديث فقال : " كنّا معاشر قريش قوماً نغلب النساء ، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلَمْنَ من نسائهم .

قال : وكان منزلي في بني أُميّة بن زيد بالغوالي قال : فتعصّبتُ يوماً على إمرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأَنكرت أنْ تراجعني فقالت : وما يُنكر أن أُراجعك ؟ فواللّه إنّ أزواج النّبي صلّى اللّه عليه ليراجعنه ، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل قال : فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت : أتراجعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ؟ قالت : نعم ، قلت : وتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم . فقلت : قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر ، أفتأمن إحداكنّ أن يغضب اللّه عليها لغضب رسوله صلّى اللّه عليه فاذا هي قد هلكت .

لا تراجعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه ولا تسأليه شيئاً وسليني ما بدالك ولا يغرنّك إنْ كانت جارتك هي أَوسم وأحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منك يريد عائشة رضي اللّه عنها قال : وكان لي جارٌ من الأنصار ، قال : كنّا نتناوب النزول إلى رسول اللّه ( عليه السلام ) فينزل يوماً وأنزل يوماً فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك ، قال : وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تفعل الحيل لتغزونا ، فنزل صاحبي يوماً ثم أَتاني غشيان فضرب بابي ، ثم ناداني فخرجت إليه فقال : حدث أَمرٌ عظيم .

قلت : ماذا ، أجاءت غسّان ؟ قال : بل أعظم من ذلك طلق الرسول نساءه . فقلت : قد خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظنّ هذا كائناً ، حتّى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي ، ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت : أطلّقكنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : لا أدري هو معتزل في هذه المشربة ، فأتيت غلاماً له أسود ، فقلت : استأذن لعمر ، فدخل الغلام ثمّ خرج إليّ فقال : قد ذكرتك له فَصَمَتْ ، فانطلقت حتّى أتيتُ المنبر فإذا حوله رهط جلوس بعضهم ، فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام فقلت : استأذن لعمر فدخل ثّم خرج إليّ فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فخرجت فجلست إلى المنبر ثمّ غلبني ما أجد فأتيت يعني الغلام فقلت : استأذن لعمر ، فدخل ثمّ خرج إليّ فقال : قد ذكرتك له فَصَمَتْ ، قال : فولّيت مدبراً ، فاذا الغلام يدعوني فقال : أدخل فقد أذن لك ، فدخلت فسلّمتُ على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثّر في جنبه ، فقلت : أطلّقت يا رسول اللّه نساءك ؟ فرفع رأسه إليّ وقال : لا .

فقلت : اللّه أكبر ، ثم ذكر لهُ ما قال لامرأته وما قالت لهُ امرأته ، فتبسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول اللّه قد دخلت عليّ حفصة وذكرت ما قلت لها . فتبسّم أُخرى ، فقلت : أستأنس يا رسول اللّه ؟ قال : نعم . فجلست فرفعت رأسي في البيت ، فواللّه ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر إلاّ أهن ثلاثة ، فقلت : يا رسول اللّه ادع اللّه تعالى أنْ يوسّع على أُمتك فقد وَسّع على فارس والروم وهم لا يعبدون اللّه ، فاستوى جالساً ثم قال : " أفي شكّ أنت يا ابن الخطاب ، أولئك عُجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " . فقلت : استغفر لي يا رسول اللّه ، وكان أقسم ألاّ يدخل عليهنّ شهراً من شدة مُوجِدَتِه عليهنّ حتى عاتبه اللّه تعالى " .

قال الزهري : فأخبرني عُروة ع " ن عائشة رضي اللّه عنها قالت : فلمّا مضى تسع وعشرون ليلة على رسول اللّه بدأني ، فقلت : يا رسول اللّه إنّك أقسمت أنْ لا تدخل علينا شهراً ، وإنّك قد دخلتَ عن تسع وعشرين ، أعدهنّ ، قال : إن الشهر تسع وعشرون ، ثم قال : يا عائشة إنّي ذاكر لك أمراً فلا عليك ألاّ تعجلي فيه حتى تسامري أبويك ، قالت : ثم قرأ عليّ { يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ } [ الأحزاب : 28 ] حتى بلغ ِ { وَأَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 35 ] قالت عائشة : قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني وقيل : ليأمراني بفراقه فقلت : أفيْ هذا أتسأمر أبوي ؟ فإنّي أريدُ اللّه ورسولهُ والدار الآخرة .

قالت عائشة : فقلت لهُ يا رسول اللّه لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنّما بعثني اللّه مبلِّغاً ولم يبعثني متعنتاً " .

{ وَإِن تَظَاهَرَا } تعاونا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء على الحذف واختاره أَبُو عُبيد ، وقرأ الباقون بالتشديد على الإدغام واختاره أَبُو حاتم .

{ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ } وليّه وحافظه وناصره .

{ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } قال المسيب بن شريك : هو أَبُو بكر رضي الله عنه .

وقال سعيد بن جبير : عمر ( رضي الله عنها ) ، عكرمة : أَبُو بكر وعمر ، يدلّ عليه ما أخبرنا ابن فنجويه ، حدّثنا علي بن أحمد بن نصرويه ، حدّثنا أَبُو الحسن علي بن الحسن بن سليمان الباقلاني ، حدّثنا أَبُو عمار الحسين بن الحرث ، حدّثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سقيق عن عبداللّه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عزَّ وجل { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } قال : " إنّ صالح المؤمنين أَبُو بكر وعمر " رضي اللّه عنهما .

أخبرنا ابن فنجويه ، حدّثنا أَبُو علي المقري ، حدّثنا أَبُو القاسم بن الفضل ، حدّثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر ، حدّثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، حدّثني رجل ثقة يرفعه إلى علي بن أبي طالب قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في قوله اللّه تعالى : " { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه " .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد الوران ، أخبرنا عمر بن الحسن ، حدّثنا أحمد بن الحسن ، حدّثنا أبي ، حدّثنا حصين عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " وصالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه " .

وقال الكلبي : هُمْ المخلصون الذين ليسوا بمنافقين .

وقال قتادة والعلاء بن زياد العدوي : هم الأنبياء .

{ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أي أعوان ، فلم يقل : صالحو ولا ظهراً ، لأن لفظهما وأنْ كان واحداً فهو في معنى الجمع كقول الرجل : لا يُقرئني إلاّ قارئ القرآن ، فهو واحد ومعناه الجمع ؛ لأنّه قد أذن لكل قارئ القرآن ان يقرأه .