المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَابٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ لَهُۥ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَأَصَابَهُ ٱلۡكِبَرُ وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (266)

266- إنه لا يحب أحد منكم أن يكون له بستان من نخيل وأعناب تجري خلالها الأنهار وقد أثمر له البستان من كل الثمرات التي يريدها ، وأصابه ضعف الكبر وله ذرية ضعاف لا يقدرون على الكسب ولا يستطيع هو لكبره شيئاً ، وجفَّ بستانه في هذه الحال العاجزة بسبب ريح شديدة فيها نار فأحرقته{[27]} ، وصاحبه وذريته أحوج ما يكونون إليه ، وكذلك شأن من ينفق ويتصدق ثم يعقب النفقة والصدقة بالمن والأذى والرياء فيبطل بذلك ثواب نفقته ولا يستطيع أن يتصدق من بعد ذلك طيبة نفسه ، ومثل هذا البيان يبين الله لكم الآيات لتتفكروا فيها وتعملوا بها .


[27]:يفسر العلم الحديث الإعصار بأنه: اضطرب جوى يتميز برياح شديده، يصحبه رعد وبرق وأمطار، وقد يكون فيه نار إذا كان مقترنا بتفريغ شحنات كهربائية من السحب، أو يحمل قذائف نارية من بركان ثائر قريب تهلك ما حولها من أشجار وثمرها والنصر القرآني يشير إلى كل هذه المعاني.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَابٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ لَهُۥ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَأَصَابَهُ ٱلۡكِبَرُ وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (266)

ثم قال تعالى :

{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }

وهذا المثل مضروب لمن عمل عملا لوجه الله تعالى من صدقة أو غيرها ثم عمل أعمالا تفسده ، فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات ، وخص منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما ، لكونهما غذاء وقوتا وفاكهة وحلوى ، وتلك الجنة فيها{[149]}  الأنهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة ، وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرته ، ثم إنه أصابه الكبر فضعف عن العمل وزاد حرصه ، وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له ، بل هم كل عليه ، ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أصاب تلك الجنة إعصار وهو الريح القوية التي تستدير ثم ترتفع في الجو ، وفي ذلك الإعصار نار فاحترقت تلك الجنة ، فلا تسأل عما لقي ذلك الذي أصابه الكبر من الهم والغم والحزن ، فلو قدر أن الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن ، كذلك من عمل عملا لوجه الله فإن أعماله بمنزلة البذر للزروع والثمار ، ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنة موصوفة بغاية الحسن والبهاء ، وتلك المفسدات التي تفسد الأعمال بمنزلة الإعصار الذي فيه نار ، والعبد أحوج ما يكون لعمله إذا مات وكان بحالة لا يقدر معها على العمل ، فيجد عمله الذي يؤمل نفعه هباء منثورا ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه .

والله سريع الحساب فلو علم الإنسان وتصور هذه الحال وكان له أدنى مسكة من عقل لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته ولكن ضعف الإيمان والعقل وقلة البصيرة يصير صاحبه إلى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا يعقل لكان ذلك عظيما وخطره جسيما ، فلهذا أمر تعالى بالتفكر وحثَّ عليه ، فقال : { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }


[149]:- في النسختين: فيه.