{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ } الوُدُّ حبُّ الشيء مع تمنِّيه ولذلك يُستعمل استعمالَهما والهمزةُ لإنكار الوقوع كما في قوله : أأضرب أبي ؟ لا لإنكار الواقع كما في قولك : أتضرب أباك ؟ على أن مناطَ الإنكارِ ليس جميعَ ما تعلّق به الوُدّ بل إنما هو إصابةُ الإعصارِ وما يتبعُها من الاحتراق { أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ } وقرئ جناتٌ { من نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } أي كائنةٍ منهما على أن يكون الأصلُ والركنُ فيها هذين الجنسينِ الشريفينِ الجامعين لفنون المنافع والباقي من المستتبِعات لا على ألا يكونَ فيها غيرُهما كما ستعرِفه ، والجنَّةُ تطلق على الأشجار الملتفة المتكاتفة قال زهير : [ البسيط ]
كأن عينيَّ في غربيِّ مفتلة *** من النواضِحِ تسقي جنةً سحقاً{[104]}
وعلى الأرض المشتملةِ ، عليها والأولُ هو الأنسبُ بقوله عز وجل : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } إذ على الثاني لا بد من تقدير مضافٍ أي من تحت أشجارها وكذا لا بد من جعل إسناد الاحتراق إليها فيما سيأتي مجازياً ، والجملةُ في محل الرفع على أنها صفةُ جنةٍ كما أن قوله تعالى : { من نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } [ البقرة ، الآية : 266 ] كذلك أوفى محل النصب على أنها حالٌ منها لأنها موصوفة { لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات } الظرفُ الأولُ خبرٌ والثاني حالٌ والثالثُ مبتدأ أي صفة للمبتدأ قائمة مَقامه أي له رزقٌ من كل الثمرات كما في قوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ } [ الصافات ، الآية 164 ] أي وما منا أحد إلا له الخ وليس المرادُ بالثمرات العمومَ بل إنما هو التكثيرُ كما في قوله تعالى : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيء } [ النمل ، الآية 23 ] { وَأَصَابَهُ الكبر } أي كِبَرُ السنِّ الذي هو مَظِنَّةُ شدَّةِ الحاجة إلى منافعها ومئنة كمالِ العجز عن تدارُك أسبابِ المعاش ، والواو حالية أي وقد أصابه الكبر { وَلَهُ ذُرّيَّةٌ ضُعَفَاء } حالٌ من الضمير في أصابه أي أصابه الكِبَرُ والحال أن له ذريةٌ صِغاراً لا يقدرون على الكسب وترتيب مبادئ المعاش وقرئ ضعاف { فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ } أي ريحٌ عاصفةٌ تستدير في الأرض ثم تنعكس منها ساطعةً إلى السماء على هيئة العَمود { فِيهِ نَارٌ } شديدةٌ { فاحترقت } عطفٌ على ( فأصابها ) وهذا كما ترى تمثيلٌ لحال من يعمل أعمالَ البرِّ والحسناتِ ويضُمُّ إليها ما يُحبِطُها من القوادح ثم يجدُها يوم القيامة عند كمال حاجته إلى ثوابها هباءً منثوراً بها في التحسّر والتأسّف عليها { كذلك } توحيدُ الكاف مع كون المخاطَب جمعاً قد مر وجهُه مراراً أي مثلَ ذلك البيان الواضحِ الجاري في الظهور مجرى الأمورِ المحسوسة { يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } كي تتفكروا فيها وتعتبروا بما فيها من العِبَر وتعملوا بموجبها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.