غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَابٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ لَهُۥ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَأَصَابَهُ ٱلۡكِبَرُ وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (266)

261

ثم إنه سبحانه رغب في الإنفاق المعتبر الجامع لشرائطه وحذر عن ضده بأن ضرب مثالاً آخر فقال { أيود أحدكم } والهمزة للإنكار البالغ أي لن يود . قرئ { له جنات } وقد وصف الله تعالى الجنة بثلاثة أوصاف الأول : كونها من نخيل وأعناب كأن الجنة إنما تكوّنت منهما لكثرتهما فيها . الثاني : تجري من تحتها الأنهار ، ولا شك أن ذلك يزيد في رونقها وبهائها . والثالث : فيها من كل الثمرات ، وإنما خص النخيل والأعناب أولاً بالذكر لأنهما أكرم الشجر أو أكثرها منافع . قال في الشكاف : ويجوز أن يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيهما كقوله { وكان له ثمر }[ الكهف : 34 ] بعد قوله { جنتين من أعناب وحففناهما بنخل }[ الكهف : 32 ] . ثم شرع في بيان شدة حاجة المالك إلى هذه الجنة فقال { وأصابه الكبر } أي والحال أنه قد أصابه الكبر . وقال الفراء : إنه معطوف على { يود } واستقام نظر المعنى لأنه يقال : وددت أن يكون كذا ، ووددت لو كان كذا ، فكأنه قيل : أيود أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء .

وقرئ { ضعاف } أي صبيان وأطفال { فأصابها إعصار } ريح تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود { فيه نار فاحترقت } أي الجنة ولا يخفى أن هذه المثل في المقصود أبلغ الأمثال ، فإن الإنسان إذا كان له جنة في غاية الكمال ، وكان هو في نهاية الاحتياج إلى المال - وذلك أوان الكبر مع وجود الأولاد الأطفال - فإذا أصبح وشاهد تلك الجنة محترقة بالصاعقة ، فكم يكون في قلبه من الحسرة وفي عينه من الحيرة ؟ فكذا الإنفاق نظير الجنة المذكورة وزمان الاحتياج يوم القيامة ، فإذا أتبع الإنفاق النفاق أو المن والأذى كان ذلك كالإعصار الذي يحرق تلك الجنة ويورثه الخيبة والندامة .

/خ266