وقوله : ( رُدّوها عَليّ ) يقول : ردّوا عليّ الخيل التي عرضت عليّ ، فشغلتني عن الصلاة ، فكّروها عليّ ، كما : حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( رُدّوها عَليّ ) قال : الخيل .
وقوله : ( فَطَفِقَ مَسْحا بالسّوقِ والأعْناقِ ) يقول : فجعل يمسح منها السوق ، وهي جمع الساق ، والأعناق .
واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها ، فقال بعضهم : معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها ، من قولهم : مَسَحَ علاوته : إذا ضرب عنقه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فَطَفِقَ مَسْحا بالسّوقِ والأعْناقِ ) قال : قال الحسن : قال لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك ، قال قولهما فيه ، يعني قتادة والحسن قال : فَكَسف عراقيبها ، وضرب أعناقها .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( فَطَفِقَ مَسْحا بالسّوق والأعْناقِ ) فضرب سوقها وأعناقها .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : أمر بها فعُقرت .
وقال آخرون : بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حُبّا لها . ذكر من قال ذلك : حدثني على ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فَطَفِقَ مَسْحا بالسّوقِ والأعْناقِ ) يقول : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها : حبا لها .
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الاَية ، لأن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لم يكن إن شاء الله ليعذّب حيوانا بالعرقبة ، ويهلك مالاً من ماله بغير سبب ، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر أليها .
{ ردوها علي } فطفق يمسح أعناقها وسوقها محبة لها ، وذكر الثعلبي أن هذا المسح إنما كان وسماً في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله . وجمهور الناس على أنها كانت خيلاً موروثة . قال بعضهم : قتلها حتى لم يبق منها أكثر من مائة فرس ، فمن نسل تلك المائة كل ما يوجد اليوم من الخيل ، وهذا بعيد . وقالت فرقة : كانت خيلاً أخرجتها الشياطين له من البحر وكانت ذوات أجنحة . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كانت عشرين فرساً . و { طفق } معناه : دام يقتل ، كما تقول : جعل يفعل .
وقرأ جمهور الناس : «بالسوْق » بسكون الواو وهو جمع ساق . وقرأ ابن كثير وحده : «السؤق » بالهمز . قال أبو علي : وهي ضعيفة ، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو قدر أنها عليها فهمزت كما يفعلون بالواو المضمومة ، وهذا نظير إمالتهم ألف «مقلات » من حيث وليت الكسرة القاف ، قدروا أن القاف هي المكسورة ، ووجه همزة السوق من السماع أن إباحية النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة ، وكان ينشد :
لحب الموقدين إليَّ موسى*** . . . . . . . . . . . . .
وقرأ ابن محيصن : «بالسؤوق » بهمزة بعدها الواو .
وقوله تعالى : { عن ذكر ربي } فإن { عن } على كل تأويل هنا للمجاورة من شيء إلى شيء ، وتدبره فإنه مطرد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"رُدّوها عَليّ" يقول: ردّوا عليّ الخيل التي عرضت عليّ، فشغلتني عن الصلاة، فكّروها عليّ...
وقوله: "فَطَفِقَ مَسْحا بالسّوقِ والأعْناقِ "يقول: فجعل يمسح منها السوق، وهي جمع الساق، والأعناق.
واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها؛ فقال بعضهم: معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها، من قولهم: مَسَحَ علاوته: إذا ضرب عنقه...
وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حُبّا لها. [عن ابن عباس].
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية، لأن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لم يكن إن شاء الله ليعذّب حيوانا بالعرقبة، ويهلك مالاً من ماله بغير سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر أليها.
التفسير المطابق للحق لألفاظ القرآن والصواب أن نقول: إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم كما أنه كذلك في دين محمد صلى الله عليه وسلم ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله عن ذكر ربي، ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره، ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها، والغرض من ذلك المسح أمور؛ الأول: تشريفا لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.
وقالوا: إنه فاتته صلاة العشي لانشغاله باستعراض الخيل، فلما فاتَتْه الصلاة {رُدُّوهَا عَلَيَّ..} أي: الخيل، أرجعوها إليَّ {فَطَفِقَ..} شرع {مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ}
يعني: يمسح على سُوق الخيل وأعناقها دلالةً على إكرامها والاهتمام بها، وخصَّ السُّوق والأعناق من الخيل لأنها أكرمُ ما فيها، فالأعناق بها الأعراف، والسُّوق أداة الحَمْل والجري، والمعنى أنه سُرَّ منها فمسح بيده على السُّوق والأعناق.
بعض المفسرين لهم رأي آخر، قالوا: المسح هنا يُراد به أنه أراد قَتْلها وذبْحها؛ لأنها أَلْهَتْهُ عن الصلاة، وهذا الكلام أقربُ إلى الإسرائيليات؛ لأن الخيل لم تشغله، بل هو الذي شغلها وشغل الدنيا كلها من حوله، فما ذنب الخيل؟
والعجيب أن في الإسرائيليات أشياء كثيرة تقدح في نبوة الأنبياء في بني إسرائيل، وكثيراً ما نراهم يتهمون أنبياءهم بما لا يليق أبداً بالأنبياء، والعلة في ذلك أن الذي يسرف على نفسه وهو تابع لدين يريد أنْ يلتمس فيمن جاءه بهذا الدين شيئاً من النقيصة ليبرر إسرافه هو على نفسه، من هنا اتهموا أنبياءهم وخاضوا في أعراضهم.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.