لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

{ ردوها علي } أي ردوا الخيل علي { فطفق مسحاً بالسوق } جمع ساق { والأعناق } أي جعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف ، هذا قول ابن عباس وأكثر المفسرين وكان ذلك مباحاً له لأن نبي الله سليمان لم يكن ليقدم على محرم ولم يكن ليتوب عن ذنب وهو ترك الصلاة بذنب آخر وهو عقر الخيل ، وقال محمد بن إسحاق : لم يعنفه الله تعالى على عقره الخيل إذ كان ذلك أسفاً على ما فاته من فريضة ربه عز وجلَّ ، وقيل إنه ذبحها وتصدق بلحومها . وقيل معناه إنه حبسها في سبيل الله تعالى وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة . وحكي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : معنى ردوها عليّ يقول بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس ردوها عليّ فردوها عليه فصلى العصر في وقتها قال الإمام فخر الدين بل التفسير الحق المطابق لألفاظ القرآن أن نقول إن رباط الخيل كان مندوباً إليه في دينهم كما أنه كذلك في ديننا ثم إن سليمان عليه الصلاة والسلام احتاج إلى غزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس وإنما أحبها لأمر الله تعالى وتقوية دينه وهو المراد بقوله عن ذكر ربي ثم إنه عليه الصلاة والسلام أمر بإعدائها وإجرائها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره ثم أمر برد الخيل إليه وهو قوله : ردوها عليّ فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها والغرض من ذلك المسح أمور الأول تشريف لها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو الثاني أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والمملكة يبلغ إلى أنه يباشر الأمور بنفسه الثالث أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها من غيره فكان يمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن ولا يلزمنا شيء من تلك المنكرات والمحظورات والعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة فإن قيل فالجمهور قد فسروا الآية بتلك الوجوه فما قولك فيه ، فنقول : لنا هاهنا مقامات المقام الأول أن يدعي أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي ذكروها وقد ظهروا الحمد لله أن الأمر كما ذكرنا ظهوراً لا يرتاب عاقل فيه ، المقام الثاني : أن يقال هب أن لفظ الآية يدل عليه إلا أنه كلام ذكره الناس وأن الدلائل الكثيرة قد قامت على عصمة الأنبياء ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات .