تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

قوله تعالى : { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ } قال عامة أهل التأويل : أي جعل يعقر سوق الخيل ، ويضرب أعناقها ، والسوق هي جماعة الساق ؛ لما شغلته عن ذكر ربه ، وهي صلاة العصر ، حتى غفل عنها ، فجعل يقطع سوقها ، ويضرب أعناقها كفارة عما شغل عن ذكر ربه .

ثم إن ثبت ما ذكروا من عقر السوق وضرب الأعناق أنه على الحقيقة ، فهو يخرج على وجهين : أحدهما : أنه كان ذلك في شريعته جائزا ، وإن كان في شريعتنا لا يجوز ، نحو ما ذكر عنه من توعد الهدهد بالتعذيب حين تفقده ، ولم يجده حين قال عز وجل : { مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } { لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه } الآية [ النمل : 20و21 ] .

فمثله : لا يجوز تعذيب الطير في شريعتنا . فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر عنه من عقر سوق الخيل وضرب الأعناق ، له جائز ، وإن كان ذلك لا يجوز عندنا ، والله أعلم .

والثاني : أن يكون ذلك منه قبل النهي عن القتل ، ثم جاء النهي عنه بعد ذلك ، فحرم عليه ذلك وعلينا جميعا .

وجائز أن يخرج تأويل الآية على غير حقيقة عقر السوق وضرب الأعناق . ولكن ما ذكر من الأعناق يكون كناية عن الذبح ، وقوله عز وجل : { فطفق مسحا بالسوق والأعناق } كناية عن التسليم إلى الناس ، أو أن يكون ما ذكر من المسح بالسوق والأعناق كناية عن مسح وجهها ورأسها بعد ما ردوها عليه من غير أن كان هنالك عقر أو ذبح أو كفارة عما غفل عن ذكر ربه .

قال الحسن : قال سليمان عليه السلام والله لا يشغلني عن عبادة ربي أحد بعدك ، وكسف عراقيبها ، وضرب أعناقها .

ثم اختلف في تلك الخيل التي عرضت عليه ، فشغلته عن ذكر الله ، ففعل ما ذكر ؛ قال بعضهم : إنها خيول أخرجها الشياطين من مروج البحر لسليمان عليه السلام لها أجنحة تعدو ، وتطير . وقال بعضهم : لا ، ولكن كانت خيلا ، ورثها عن أبيه داوود ، وكان داوود عليه السلام أصابها من العمالقة ، وقالوا : وما بقي اليوم في أيدي الناس من الخيل فهو نسل بقية تلك الخيل . والله أعلم .

وقال بعضهم : لا ، ولكن أهل دمشق من العرب وأهل نصيبين جمعوا جموعا لسليمان عليه السلام فأصاب منهم ألف فرس غرات ، فعرضت عليه الخيل حتى شغلته عن ذكر ربه ، ففعل ما ذكر من قطع العواقب وضرب الأعناق ، والله أعلم .

وعن الحسن في قوله : عز وجل : { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ } قوله : كسف عراقيبها ، وضرب أعناقها ، فأبدله الله خيرا منها وأسرع وهي { الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب } [ ص : 36 ] .

قال أبو معاذ : قوله عز وجل : { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ } تقول العرب : مسح علاوته بالسيف مسحا ، أي ضربها . قال القتبي : قوله عز وجل : { فطفق مسحا } أي فأقبل يمسح : يضرب سوقها وأعناقها . وقال أبو عوسجة : { فطفق } أي أخذ ، وجعل يمسح ، أي يقطع [ { مسحا } يقال : مسح عنقه ، أي قطع .

وقال القتبي : { الصافنات الجياد } يقال : هي القائمة على ثلاث قوائم ، وقد قامت الأخرى على طرف الحافر من يد كان أو رجل . والصافن في كلام العرب : الواقف من الخيل وغيرها على ما ذكر في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من سره أن يقوم له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار ) [ بنحوه الترمذي 2755 ] أي يديمون له القيام . وقال أبو عوسجة : الجياد من الخيل السراع ، والواحد جواد ، ورجل جواد ، أي سخي ، وجمعه أجواد ، { فقال إني أحببت حب الخير } أي آثرت الخير أي المال { عن ذكر ربي } . وفي حرف حفصة : أي ألهاني { حب الخير عن ذكر ربي } أي شغلني .