غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

ثم قال { ردّوها عليّ } أي أمر الرائضين بان يردوا الخيل عليه ، فلما عادت عليه طفق يمسح مسحاً بوسقها وأعناقها تشريفاً لها وإظهاراً لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ ، أو لأنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها ، أو أراد إظهار أنه بلغ في اختبار أمور المملكة إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه . وقيل : مسح الغبار عن أعناقها وسوقها بيده . وقيل : وسم أعناقهن وأرجلهن فجعلهن في سبيل الله .

وأما الوجه الآخر في هذه الواقعة فما روي أن سليمان غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس . وقيل : ورثها من أبيه وكان أبوه أصابها من العمالقة . وقيل : أخرجها الشياطين من مرج من المروج أو من البحر وكانت ذوات أجنحة . فقعد يوماً بعد الظهر واستعرضها فلم يزل تعرض عليه حتى غربت الشمس . ذلك قوله { حتى توارت } أي الشمس بدليل ذكر العشي { بالحجاب } حجاب الأفق . وقيل : حتى توارت الخيل بحجاب الليل وغفل عن العصر ، أو عن ورد من الذكر كان له وقت العشي فقال { إني أحببت حب الخير } وهو متضمن معنى فعل يتعدى بعن أي أنبت حب الخير عن ذكر ربي وجعلت حبها مغنياً عن ذكر ربي فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها تقرباً لله وذلك قوله { فطفق مسحاً } قال جار الله : أي يمسح بالسيف سوقها وأعناقها فقلب لأمن الإلباس كقولهم " عرضت الناقة على الحوض " قال الراوي : قربها إلا مائة فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها ، وحين عقرها أبدله الله خيراً منها وهي الريح تجري بأمره . وقيل : الضمير في { ردّوها } للشمس والخطاب للملائكة تضرع إلى الله فرد الله عليه الشمس فصلى العصر . ومحل القدح في هذه الرواية هو نسبة سليمان إلى حب الدنيا حتى غفل عن الصلاة وضم بعضهم إلى ذلك أن قطع أعناق الخيل وعرقبة أرجلها منهي عنه . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكله . وأجيب بأنه فعل ذلك لأنها منعته عن الصلاة أو لأنه ذبحها للفقراء والمساكين ، قال الزجاج : لم يفعل ذلك إلا وقد أباحه الله له وما أباح الله فليس بمنهي . قال الإمام فخر الدين الرازي : إن الكفار لما بلغوا في الإيذاء والسفاهة إلى حيث قالوا { ربنا عجل لنا قطنا } قال لنبيه : اصبر يا محمد على ما يقولون واذكر عبدنا داود . ثم ذكر عقيبة قصة سليمان ، وهذا الكلام إنما يكون لائقا لو قلنا إن سليمان أتى في هذه القصة بالأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة وصبر على طاعة الله وأعرض عن الشهوات ، فأما لو كان المقصود أنه أقدم على الكبيرة لم يكن ذكره مناسبا . هذا تمام الكلام في الواقعة الأولى .