ثم قال { ردّوها عليّ } أي أمر الرائضين بان يردوا الخيل عليه ، فلما عادت عليه طفق يمسح مسحاً بوسقها وأعناقها تشريفاً لها وإظهاراً لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ ، أو لأنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها ، أو أراد إظهار أنه بلغ في اختبار أمور المملكة إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه . وقيل : مسح الغبار عن أعناقها وسوقها بيده . وقيل : وسم أعناقهن وأرجلهن فجعلهن في سبيل الله .
وأما الوجه الآخر في هذه الواقعة فما روي أن سليمان غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس . وقيل : ورثها من أبيه وكان أبوه أصابها من العمالقة . وقيل : أخرجها الشياطين من مرج من المروج أو من البحر وكانت ذوات أجنحة . فقعد يوماً بعد الظهر واستعرضها فلم يزل تعرض عليه حتى غربت الشمس . ذلك قوله { حتى توارت } أي الشمس بدليل ذكر العشي { بالحجاب } حجاب الأفق . وقيل : حتى توارت الخيل بحجاب الليل وغفل عن العصر ، أو عن ورد من الذكر كان له وقت العشي فقال { إني أحببت حب الخير } وهو متضمن معنى فعل يتعدى بعن أي أنبت حب الخير عن ذكر ربي وجعلت حبها مغنياً عن ذكر ربي فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها تقرباً لله وذلك قوله { فطفق مسحاً } قال جار الله : أي يمسح بالسيف سوقها وأعناقها فقلب لأمن الإلباس كقولهم " عرضت الناقة على الحوض " قال الراوي : قربها إلا مائة فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها ، وحين عقرها أبدله الله خيراً منها وهي الريح تجري بأمره . وقيل : الضمير في { ردّوها } للشمس والخطاب للملائكة تضرع إلى الله فرد الله عليه الشمس فصلى العصر . ومحل القدح في هذه الرواية هو نسبة سليمان إلى حب الدنيا حتى غفل عن الصلاة وضم بعضهم إلى ذلك أن قطع أعناق الخيل وعرقبة أرجلها منهي عنه . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكله . وأجيب بأنه فعل ذلك لأنها منعته عن الصلاة أو لأنه ذبحها للفقراء والمساكين ، قال الزجاج : لم يفعل ذلك إلا وقد أباحه الله له وما أباح الله فليس بمنهي . قال الإمام فخر الدين الرازي : إن الكفار لما بلغوا في الإيذاء والسفاهة إلى حيث قالوا { ربنا عجل لنا قطنا } قال لنبيه : اصبر يا محمد على ما يقولون واذكر عبدنا داود . ثم ذكر عقيبة قصة سليمان ، وهذا الكلام إنما يكون لائقا لو قلنا إن سليمان أتى في هذه القصة بالأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة وصبر على طاعة الله وأعرض عن الشهوات ، فأما لو كان المقصود أنه أقدم على الكبيرة لم يكن ذكره مناسبا . هذا تمام الكلام في الواقعة الأولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.