الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{رُدُّوهَا عَلَيَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ} (33)

ثم قال : { ردوها علي } أي : ردوا الخيل علي التي شغلتني على الصلاة .

{ فطفق مسحا بالسوق والأعناق } أي : طفق يضرب{[58282]} أعناقها وسوقها .

قال الحسن : قال سليمان : لا ، والله لا تشغلني عن عبادة ربي فكشف{[58283]} عراقيبها وضرب أعناقها . ولم يكن له فعل ذلك إلا وقد أباح الله ذلك له{[58284]} .

وقال ابن عباس{[58285]} : ( جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها ){[58286]} .

قال بعض أهل العلم : هذا القول أحسن ، لأنه نبي ، ولم يكن ليعذب حيوانا بغير{[58287]} ذنب ويفسد مالا بلا سبب{[58288]} .

قال وهب من منبه : كانت الريح تحمل سليمان وجنوده ، وكانت تأتيه تُسمعه كلام كل متكلم ، ولذلك سمع كلام النملة .

قال : وإنه لمسير ذات يوم بجنده والريح تحمله ( إذ مر برجل ){[58289]} من بني إٍسرائيل وهو في حرث له يثير على مسحاة له يفجر{[58290]} في حرث له من نهر له إذ{[58291]} التفت فرأى سليمان وجنده{[58292]} بين السماء والأرض تهوي به الريح . فقال : لقد آتاكم لله آل داود . قال : فاحتملت الريح كلامه فقذفته في أذن سليمان عليه السلام فقال سليمان للريح : احبس ، فحبست . فنزل{[58293]} متقنعا بِبُرْدٍ لَهُ حتى أتى الرجل فقال له : ماذا قلت ؟ ! قال : رأيتك في سلطان الله الذي أتاك وما سخر لك ، فقلت : لقد آتاكم الله آل داود . فقال : صدقت ، كذلك قلت ، كذلك سمعت ولذلك حينئذ{[58294]} تخوفا عليك من{[58295]} الفتنة . تعلم ، الذي نفس سليمان بيده ، لثواب ( سبحان الله ) كلمة واحدة عند الله يوم القيامة أفضل من كل شيء رأيته أو أوتيه آل داود في الدنيا .

قال له الرجل : فَرَّجْتَ هَمِّي ، فرج الله همك .

فقال له سليمان : وما همي ؟

قال : أن تشكر ما أعطاك الله عز وجل .

قال له سليمان : صدقت . وانطلق إلى مركبه .


[58282]:ح: أي يضرب.
[58283]:ح: فكتب وفي جامع البيان: فكسف.
[58284]:انظر: جامع البيان 23/100، وأحكام القرآن لابن العربي 4/1648، وتفسير ابن كثير 4/35.
[58285]:ح: خيالها.
[58286]:انظر: جامع البيان 23/100، والمحرر الوجيز 14/31، وتفسير ابن كثير 4/35.
[58287]:ج: لغير.
[58288]:ممن قال به: الطبري في جامع البيان 23/100، وانظر: أحكام القرآن للجصاص 3/382. وقد التمس شيخنا مكي ابن أبي طالب للقول بأن سليمان ضرب أعناق الخيل مخرجا حيث قال: (فإن صح ذلك، فهي شريعة كانت ثم نسختها شريعة الإسلام). انظر: الإيضاح: 391.
[58289]:ح: ورجل.
[58290]:ح: سفجر.
[58291]:ح: إذا.
[58292]:ح: وجنوده.
[58293]:ح: ثم نزل.
[58294]:كذا في ح. وغير مقروء في ع. ويحتمل أن تكون (جئتك).
[58295]:ساقط من ح.