وقوله : { رُدُّوهَا عَلَي } من تمام قول سليمان ، أي : أعيدوا عرضها عليّ مرّة أخرى . قال الحسن : إن سليمان لما شغله عرض الخيل حتى فاتته صلاة العصر غضب لله ، وقال : ردّوها عليّ ، أي : أعيدوها . وقيل : الضمير في { ردّوها } يعود إلى الشمس ، ويكون ذلك معجزة له ، وإنما أمر بإرجاعها بعد مغيبها لأجل أن يصلي العصر ، والأوّل أولى ، والفاء في قوله : { فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق } هي : الفصيحة التي تدل على محذوف في الكلام ، والتقدير هنا : فردّوها عليه . قال أبو عبيدة : طفق يفعل ، مثل ما زال يفعل ، وهو مثل ظلّ وبات . وانتصاب { مسحاً } على المصدرية بفعل مقدّر ، أي : يمسح مسحاً ؛ لأن خبر طفق لا يكون إلا فعلاً مضارعاً ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال ، والأول أولى .
والسوق جمع ساق ، والأعناق جمع عنق ، والمراد : أنه طفق يضرب أعناقها وسوقها ، يقال : مسح علاوته ، أي : ضرب عنقه . قال الفراء : المسح هنا : القطع ، قال : والمعنى أنه أقبل يضرب سوقها وأعناقها ؛ لأنها كانت سبب فوت صلاته ، وكذا قال أبو عبيدة . قال الزجاج : ولم يكن يفعل ذلك إلا وقد أباحه الله له ، وجائز أن يباح ذلك لسليمان ، ويحضر في هذا الوقت .
وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية ، فقال قوم : المراد بالمسح ما تقدّم . وقال آخرون : منهم الزهري وقتادة : إن المراد به : المسح على سوقها ، وأعناقها لكشف الغبار عنها حباً لها . والقول الأوّل أولى بسياق الكلام ، فإنه ذكر أنه آثرها على ذكر ربه حتى فاتته صلاة العصر ، ثم أمرهم بردّها عليه ؛ ليعاقب نفسه بإفساد ما ألهاه عن ذلك ، وما صدّه عن عبادة ربه ، وشغله عن القيام بما فرضه الله عليه ، ولا يناسب هذا أن يكون الغرض من ردّها عليه هو كشف الغبار عن سوقها ، وأعناقها بالمسح عليها بيده أو بثوبه ، ولا متمسك لمن قال : إن إفساد المال لا يصدر عن النبيّ ، فإن هذا مجرد استبعاد باعتبار ما هو المتقرّر في شرعنا ، مع جواز أن يكون في شرع سليمان أن مثل هذا مباح ، على أن إفساد المال المنهيّ عنه في شرعنا ، إنما هو مجرّد إضاعته لغير غرض صحيح ، وأما لغرض صحيح ، فقد جاز مثله في شرعنا كما وقع منه صلى الله عليه وسلم من إكفاء القدور التي طبخت من الغنيمة قبل القسمة ، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة ، ومن ذلك ما وقع من الصحابة من إحراق طعام المحتكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.